«أيها المترو.. خراشو»

في منتصف التسعينات كنا نتحدث إلى أحد أشهر تجار السوق في دبي على ضفاف الخور، وأخبرنا رحمه الله بأن الله كتب رزق هذه المدينة بشكل مبارك ومستمر لا يعلمه سواه فقد بدأت دبي معتمدة على التجارة الداخلية بين مناطق الخليج وعندما انقطعت هذه التجارة بسبب سقوط أسهم اللؤلؤ الطبيعي فتح الله لها باب التجارة مع شبه القارة الهندية وعندما ضعف هذا الخط نشط باب التجارة مع العراق واليمن والدول العربية وعندما ضعف نشط باب التجارة مع إفريقيا وسواحلها ثم اليوم، والكلام له في حينها، فتح الله لنا أسواق الاتحاد السوفييتي السابق،

ومنحنا واحدة من ابتساماته الأبوية والتفت الى زبون أشقر ليقول له: «خراشو»..

الذي استحضر صورة وحديث ذلك التاجر، رحمه الله، اليوم هو حالة القلق وعدم الاستقرار (النظرية) لدى الكثيرين من المستقبل بل ومن الحاضر في كثير من الأحيان.. وهي حالة ليس لها ما يبررها لنا لا كمؤمنين نؤمن بأن الرزق مثله مثل الأجل محتوم ومقدر، ولا كمجربين لخيرات وأرزاق هذه الأرض الطيبة.

فحتى عندما كنا قبل سنوات قليلة مضت لا نملك من حطام هذه الدنيا إلا أقل القليل من الذي امتلأت به الأرصدة والجيوب نتيجة للطفرة الاقتصادية في السنوات الخمس الماضية إلا أن الخوف في حينه كان أقل بعشرات المرات والإيمان كان أكبر بألف مرة.. فما الذي تغير، هل هو استطعامنا للعز في السنوات الأخيرة وخشيتنا من فقدانه؟! أم أن الحياة (المادية) فعلاَ أصبحت تطغى على الجانب الآخر؟!

الغريب أن ترى مديراً او تاجراً من ذلك الصنف الذي يسارع لغسل يديه في المرافق الصحية عندما يأتي النادل بفاتورة الحساب، وقد بدا عليه الكدر والضيق منذ بداية ما يعرف بالأزمة العالمية وهو (يقلب كفيه على ما أنفق فيهما)، على الرغم من أنه لم يخسر فلساً واحداً ولا علاقة له لا بالبورصة ولا بالأسهم!

بالأمس تم افتتاح المترو في خضم كل ذلك الحراك وشاهد افتتاحه الجميع من المتشائمين والمتفائلين بنتائج الأزمة، من المؤمنين بالرزق والقدر ومن الجاحدين بهما.. افتتاح المترو شرياناً جديداً ضخ أملاً آخر، وبعداً آخر وأكبر عمقاً في رؤية ذلك الرجل الثاقبة.

كأنه يوحي إلينا ما معناه نحن هنا نعمل وننتج مشروعات عملاقة تربط أجزاءنا في خضم الدوامة الاقتصادية العالمية، إذن نحن أقوى منها، وهو بهذا يعطي ثقة وقوة داخلية لنا جميعا.

* * *

يروى عن أحد رجال الجزيرة المشهود لهم بالشجاعة في الحروب التي خاضها أنه كان ينتطق حزاماً من الرصاص حول بطنه وفي إحدى المعارك أصيب حزام الرصاص فتفجر وخرجت أمعاء القائد أمام جنده، وأحس بأن الحادث قد ينال من معنوياتهم، فشد كندورته على ألمه وعلى ما خرج منه ونادى مطوع القبيلة وطلب منه أن يزوجه، فلما رأى رجاله هذا الفعل علموا بأنه بكل خير ، وتحقق له نصر كبير مازال أبناؤه يجنون ثماره حتى اليوم. 

shwaikh@eim.ae

الأكثر مشاركة