ترديد «نصف الحقيقة»!

ترديد ونشر نصف الحقيقة هما من أكثر المشكلات التي تواجه مجتمعنا الصغير نسبياً، وهذا الأمر يبدو جلياً جداً في الأخبار المنتشرة بين الناس حول مرض أنفلونزا الخنازير.

لا أحد يريد تصديق صوت العقل والطب، والكثيرون يرددون الأخبار السلبية المخيفة التي تثير القلق المبالغ فيه، متجاهلين جميع الحقائق العلمية والآراء الطبية الحقيقية الخاصة بفيروس أنفلونزا الخنازير.

«إنه وباء عالمي»، «مرض خطير ومنتشر»، جُملٌ نسمعها يومياً، ربما في كل ساعة، ومع أنها لا تعكس سوى نصف الحقيقة، إلا أنها منتشرة وتجد آذاناً صاغية لدى كثير من أولياء الأمور، وعلى ضوئها قرر البعض «بمزاجه» منع أبنائه من الذهاب إلى المدرسة، ويطالب البعض الآخر بتأجيل الدراسة، وبالغ البعض في المطالبة بإلغاء العام الدراسي الجاري!

نعم إنه «وباء عالمي»، لكن ما تعريف الوباء؟ ولماذا تم تصنيف هذا المرض على أنه وباء؟ لا أعتقد أن أحداً من مرددي هذه الكلمة حاول الوصول إلى النصف الآخر من حقيقة تسمية «الوباء»، بل اكتفوا بترديد هذه الجملة المفزعة في شكلها فقط، فالوباء هو تعريف لانتشار المرض، ولا علاقة له بدرجة خطورته، بمعنى أوضح فإن أي مرض، مميتاً كان أو بسيطاً، ينتشر في دول كثيرة في الفترة الزمنية نفسها يتم تصنيفه على أنه «وباء»، والتسمية غير مرتبطة بدرجة «الإمراض» أو «الإماتة»، ولا علاقة لها بدرجة تصنيف الخطورة من الضعيفة إلى المتوسطة أو الشديدة، هي تسمية تخص الانتشار فقط، فإذا كان المرض موجوداً في عدد معين من دول العالم يسمى «وباء»، أما إذا كانت حدود انتشاره في دولة واحدة فيسمى «مستوطناً»، تماماً كالبلهارسيا في مصر.

ومع ذلك يصر الناس على ترديد أن الأنفلونزا «وباء» حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، ويردد البعض أنه «مرض خطير وينتشر بسرعة»، والحقيقة أن ما يرددونه هو بالضبط نصف الحقيقة، فهو منتشر بالفعل ولا أحد ينكر ذلك، لكنه ليس من الفيروسات الخطرة، بل هو فيروس ضعيف لا يشكل خطراً إلا على فئات معينة من المصابين بأمراض مزمنة.

لو كان الفيروس خطيراً أو «وباءً» فتاكاً، ألم يكن حرياً بمنظمة الصحة العالمية أن توقف حركة الطيران والملاحة، وأن تمنع إقامة جميع البطولات الرياضية التي تجمع الآلاف في مكان واحد، وكذلك المؤتمرات كافة، وتمنع الدخول والخروج إلى دول بعينها؟ ولكنّ أياً من هذه الأمور لم يحدث. صحيح هناك إجراءات احترازية، وهناك احتياطات وتدابير يجب اتباعها، لكنها فقط للحد من انتشار المرض، وليس للقضاء عليه، لأن العالم لن يخلو يوماً من الأنفلونزا!

الجلوس في المنزل، وحبس الأبناء، أو منعهم من الذهاب إلى المدارس، سلوك لا يخلو من السطحية في التفكير، فالخوف على الأبناء أمر مشروع، لكن لا ننسى أيضاً أن الدولة تخشى على جميع مواطنيها والمقيمين فيها بشكل لا يقل عن خوف أولياء الأمور، ولو كان قرار تأجيل بدء الدراسة مفيداً، لما جازفت وزارة التربية بالسماح لعدد كبير من المدارس ببدء نشاطها، فلنكف إذن عن ترديد نصف الحقائق، ولنترك شؤون الصحة والتعليم لأهلها، ولنتعاون جميعا على منع انتشار أنفلونزا «الشائعات» والخنازير!

 

reyami@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة