مأزق فاروق حسني
في السنة الأخيرة، ذهب وزير الثقافة المصري في مواقفه إلى حد التصادم مع الكتاب والمثقفين المصريين والعرب، وبدا عاجزاً تماماً عن خلق معادلة متوازنة، تجعله ضد التطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني من جهة، ومع التسوية السياسية من جهة ثانية.
كل ذلك وهو المرشح الأبرز لشغل مركز مدير المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) التابعة للأمم المتحدة. وعلى الرغم من محاولاته الحثيثة لنيل هذا المقعد، خلال حملته تحت عنوان «السلام ومحاربة الأصوليات» وما إلى ذلك، إلا أنه أخيراً أخفق في الحصول على هذا المقعد، وظل فقط وزيراً للثقافة المصرية، إلى أن يشاء الله أمراً آخر.
وفي ردّه على نتائج التصويت الذي فازت بموجبه وزيرة الخارجية البلغارية السابقة (إيرينا جيرجويفا) قال: إن الحركة الصهيونية قامت بتسييس الانتخابات في شكل صارخ.
ولا نعرف إذا كان فاروق حسني منذ البداية لا يدرك ذلك، أم أنه بدأ مرحلة هجوم مضاد، يحاول فيه استعادة شيء من الهيبة التي فقدها خلال سعيه الحثيث إلى هذا المنصب. فلا يوجد مثقف واحد على وجه الأرض لا يعرف أن مثل هذه المناصب والمسؤوليات ليست مجانية على الإطلاق، بل هي مكافآت لكل من يدعم الكيان الصهيوني في عدوانيته، ولكل من يرسم صورة هذا الكيان خالية من الجرائم العنصرية ضد الفلسطينيين والعرب.
فاروق حسني يحاول الآن من خلال منصبه المحلي كوزير للثقافة المصرية أن يمحو ما علق باسمه وشخصه من شوائب السنة الأخيرة، فأعلن عن التسييس المفرط الذي تلعبه المنظمة الصهيونية.
ولكن السؤال العفوي في هذه الحال هو: ماذا لو فاز فاروق حسني بهذا المنصب؟ هل كان سيلقي بهذا التصريح كما فعل بعد فشله، أم يتهيأ للرد على منتقديه، متسلحاً بتهمة المؤامرة التي عادة ما تكون جاهزة للرد على أي منتقد في حال كهذه؟ وهل بات فاروق حسني واحداً من المرضى العرب بهاجس المؤامرة الذي يواجهنا به المطبعون والمتهافتون على أية تسوية، مهما كانت ضد حقوق الشعب الفلسطيني؟
كنا نقول من عقود عدة، إن هذا العدو لا يرغب في السلام الحقيقي، على الرغم من تحفظنا على مقولة السلام هذه.
وكنا نقول إن هذا العدو قد تغلغل في المؤسسات الدولية والإقليمية، وأصبح ذا نفوذ بارز وجلي، بحيث لا يتاح لأي كان أن يتبوأ مركزا أو مسؤولية دولية ما لم يكن على الأقل صامتاً أو متجاوزاً عن جرائم هذا العدو. ولكنّ كثيراً من اللبراليين العرب الجدد، كانوا ولايزالون، يتبرعون لمهاجمة كل من يقول ذلك، بحجة إصابته بمرض المؤامرة، وكأننا اخترعنا هذا المرض واستمرأناه أيضاً. وكأن المؤامرة الدولية غير موجودة وغير متعينة على الإطلاق.
أما كيف قام هذا الكيان أصلاً، وكيف يقوم منذ اللحظة الأولى بالقتل والتطهير العرقي والتهجير وارتكاب الجرائم، من دون محاسبة أو مساءلة، فهذا لا يدخل في باب المؤامرة. وكأن الدول الغربية تحمل عصا العدالة دائماً، ولكنها عاجزة عن إصابة الكيان الصهيوني.
شكراً لله على هذا الفشل الذي دعا فاروق حسني إلى الاعتراف بالحقيقة التي أخفاها وقتاً طويلاً.