من المجالس
لم يغادر العالمَ هاجسُ المؤامرة منذ أن تم الإعلان عن تفشي مرض أنفلونزا الخنازير، فقد عادت السبّابة لتشير إلى شركات الأدوية الكبرى وعصابات الاحتيال المنظمة وأربابها من كبار السياسيين والاقتصاديين دون أن تستثني منظمة الصحة العالمية. ولكن هذه السبّابة لم تحملها هذه المرة أياد شرقية أو عربية على وجه الخصوص، والتي عادة ينسب إليها كل أمر «تفتعل» فيه نظرية المؤامرة لدى الآخر لتبرير حالة «العجز العربي» عن إصلاح ذاته وحل مشكلاته.
الاتهام ورد هذه المرة من مؤسسات وأشخاص غربيين لم يُدفعوا، كما نفعل، بالعواطف، ولكنهم استندوا إلى «حقائق علمية»، وربطوها بإجراءات وقرارات إدارية وسياسية، وأعادوها إلى خلفيات تاريخية من قريب الأحداث وبعيدها، وعرضوا أسماء لشركات أدوية وبنوك ورجال أعمال وساسة، قالوا إنهم جميعاً شركاء في «مؤامرة» تصنيع المرض، ثم محاولة توريط البشرية أجمع بلقاح التطعيم ضد المرض، الذي ستكون نتائجه أشد وأقسى وأكثر تدميراً للإنسان في مستقبله وصحته ووجوده، حسب أصحاب الدعوة.
هذه الإدعاءات فصّل فيها أصحابها وقدّموا الكثير من المعلومات التي تخص المرض والدواء واللقاح، ولكن أشدها وقعاً ما نسب إلى «عالم الاجتماع» السويسري يان تسيغلر المستشار في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عندما خرج مهاجماً منظمة الصحة العالمية وطريقة إدارتها للتعامل مع المرض قائلاً «إن أنفلونزا الخنازير تستغل على حساب فقراء العالم، وإنه بينما يُستنفر الإعلام من أجل 45 شخصاً توفوا بالفيروس خلال الأسابيع الأولى منه فإن مائة ألف شخص يموتون يومياً من الجوع وتداعياته المباشرة، وإن العالم يشهد وفاة طفل تحت سن 10 سنوات كل خمس ثوان». ويلخص حجم المأساة التي تلف الضمير العالمي قائلاً «عندما يتعلق الأمر بالكبار فإن الضمير العالمي يهتز، إن هذا يدل على العمى الذي أصابنا وعلى برودة عواطفنا المتدنية للغاية وتهكمنا على الواقع». ثم ينتهي إلى الإشارة إلى شركات الأدوية الكبرى التي عادت من قبل بمليارات الدولارات من حظيرة مرض أنفلونزا الطيور.