أنفلونزا العلاقات

علي العامري

لم يتوقف الرعب من مرض أنفلونزا الخنازير عند خطوط التماس البشري في المواصلات العامة والمحال التجارية الكبرى، أو في الوقوف في طابور الخبز أو طابور المعاملات، بل تعدى ذلك إلى العلاقات بين الناس، وحتى داخل العائلة الواحدة. قصص عدة تحمل عناوين الخوف والريبة والتوجس والقلق، حملها إلينا فيروس «إتش1 إن 1» المسبب لهذا النوع من الأنفلونزا. قصص داخل البيوت وبين الجيران والأصدقاء والعشاق أيضا. وصار كل كائن مشتبهاً بإصابته حتى يثبت العكس.

وعلاوة على ما يروج من مخاطر لهذا المرض الذي يصيب الجهاز التنفسي، مثل خطر العدوى السريعة، وبالتالي، خطر الموت لدى ذوي المناعة الضعيفة من أطفال ومسنين وذوي احتياجات خاصة والمصابين بأمراض مزمنة، هناك خطر مستتر من العلاقات الإنسانية. إذ أصبحت اللقاءات بين الأصدقاء نادرة، وكذلك زيارات الجيران والأقارب، فالحيطة والحذر علامتان أساسيتان في العالم الآن. وأصبح مشهد الوجوه المستريبة مألوفاً، خصوصا مع وضع الكمامات الطبية. وهذا المشهد الملثم يبعث برسالة إلى الآخرين بأن يبتعدوا عن المجال الحيوي لهذا «المكمم»، وأن لا يحاولوا الاقتراب منه أو الحديث معه عن كتاب جديد يحمله أو عن سعر البطاطا أو عن حالة الجو.

نعم، «أنفلونزا الخنازير» أصاب العلاقات بوهن، كما يصيب البدن بوهن أيضا، وأنتج قصصاً عديدة في الكرة الأرضية، هذا الكوكب الأزرق، الدائخ من المصائب التي في معظمها من نتاج البشر وليس كل البشر. حتى أن مصادر طبية تشكك في أن يكون فيروس «إتش1 إن1» طبيعياً، وقد فتحت صحف ملف احتمال تخليق الفيروس في مختبرات، وكشفت بأن مصالح وراء ذلك. هناك من يتهم شركات أدوية، وهناك من يوجه الاتهام إلى أجهزة دولية، مشيرين إلى مصالح أميركية وراء ذلك. وإلى أن تخرج الحقيقة إلى العلن من دون تجميل، يزج كثير من الناس في الرعب من هذا الزائر الثقيل الذي يسمى «أنفلونزا الخنازير» الذي جعل كثيرين ينطوون على أنفسهم، ويغلقون أبواب بيوتهم، ويستخدمون أطناناً من مواد التطهير كلما لمسوا مقبض باب أو زراً في مصعد بناية.

العالم وراء كمامة، مشهد يذكر بمستشفى أو مختبر، فهل أصبح العالم مختبراً حقا، خصوصا أن تقارير صحافية تحدثت أخيرا عن تجارب على البشر أجراها أميركان في سجون أبوغريب وغوانتانامو وباغرام، علاوة على اتهام الاحتلال الإسرائيلي بسرقة أعضاء من جثامين شهداء فلسطينيين.

والآن، هذا الفيروس الذي يجتاح الأرض، ويصيب عاشقين بارتياب من بعضهما البعض، فالاقتراب أصبح ممنوعاً، كما لو أن كل واحد أصبح بمثابة منطقة الغام، يمنع الاقتراب منها أو التصوير. وحتى في البيت الواحد، هناك أفراد نام كل واحد على حدة معزولاً عن الآخر، والسبب هو هذه الأنفلونزا التي تباعد بين الناس، وفي الوقت ذاته، تقرب مليارات الدولارات من حفنة من الشركات المنتجة للأدوية واللقاحات والكمامات ومواد التعقيم.

نعم، يبدو أن العالم في حاجة ماسة إلى التعقيم، ولكن ضد انهيار الأخلاق، وضد الوحشية وضد «الغولنة» وضد الكراهية وضد الجشع وضد الظلم.

ali.alameri@emaratalyoum.com

تويتر