الفريد والمكرر

سالم حميد

في 28 أكتوبر ،1886 قامت فرنسا بإهداء الولايات المتحدة «تمثال الحرية» بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الأميركية ضد الاحتلال البريطاني، الذي يُعد اليوم رمزاً وأيقونة أميركا التي تتفاخر به، ويزوره ملايين السائحين للاطلاع على تلك التحفة المعمارية التي صمم هيكلها المهندس المعماري الفرنسي الأسطورة غوستاف إيفل. ووحدها المصادفة قادت السيد إيفل إلى عالم الشهرة والمال، بعد أن قرر أن يشارك في معرض باريس الدولي السنوي عام ،1889 فعمل اعتباراً من 1887 على بناء «برج إيفل» الذي يحمل اسمه اليوم. وكان من المقرر إزالة البرج الحديدي الذي يزن أكثر من 10 آلاف طن، ويرتفع 323 متراً بعد المعرض مباشرة، لكن عندما لاحظت الحكومة الفرنسية أن عدد زوار البرج قد تجاوز مليوني زائر في العام ،1889 قررت الإبقاء عليه وعدم إزالته وعقد شراكة بالمناصفة مع السيد إيفل لحق ملكية البرج، كونه مقام على قطعة أرض تملكها الحكومة. ويدر البرج يومياً أرباحاً خيالية لم يتوقعها السيد إيفل أو الحكومة الفرنسية، ففي العام الماضي تجاوز عدد سياح البرج السبعة ملايين زائر، هذا بخلاف رقم يُقدر بنحو 80 مليون سائح لفرنسا العام الماضي.

يذكر أن الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر قد أصدر أوامره لقائد قواته في فرنسا، الجنرال ديتريش فان شولتتز، بتدمير برج إيفل وبقية المباني الباريسية العريقة، عندما اندحرت القوات الألمانية أمام قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية عام ،1944 لكن الجنرال ديتريش خالف أوامر هتلر قائلاً « أفضل الاستسلام على أن أدمر أي إرث إنساني في هذه المدينة الجميلة». وهذا ما حصل.

في مناقشة جامعية لي قبل بضعة سنوات، أمام لجنة أكاديمية بريطانية أنثربولوجية، تفاخرتُ خلالها بتل الثعابين، وهو موقع أثري في منطقة القصيص في دبي، وأشرت إلى أنه احتوى على معبد مارس خلاله سكان دبي أقدم ديانة عرفتها الإمارات في الألفية الثانية قبل الميلاد، وهي عبادة الثعابين، فضحك أحد أعضاء اللجنة عن معرفة ودراية بالموقع متسائلاً «وأين هذا المعبد اليوم؟!»، حينها انعقد لساني حرجاً، لأن المعبد دُمر على يد بعض المسؤولين الأذكياء.

ينعقد قريباً في دبي معرض سيتي سكيب العقاري الذي سبق أن أعلنت شركتان عقاريتان كبيرتان محليتان انسحابهما منه، ثم عدّلا قرارهما والمشاركة فيه، ولكن المشاركة بماذا؟ ربما بعرض مجموعة جديدة من كتل خرسانية متكررة! ولكم أن تتخيلوا لو أن فرنسا قامت ببناء عدد أكبر من أبراج إيفل، هل كانت ستحظى بالاهتمام نفسه الذي يحظى به البرج الحالي؟! إن التكرار يُفقد الفريد بريقه يا شطار!

تويتر