«سينما لا.. سينما نعم»
قلّما نجد في النقد السينمائي الصحافي، في مصر، تقويماً نقدياً موضوعياً للأفلام المصرية، ربما لأن عمل الناقد ينحبس في المشهد السينمائي، وبالتالي، يصبح صعباً عليه أن يكتب، دائماً، وجهة نظره بشكل موضوعي، مخافة ردود فعل غير حميدة، وبالتالي، لا يبقى أمامه سوى أن ينشر وجهة نظر مسايرة، أو يصمت فـ«الصمت يكون أحيانا أفضل إجابة»!
في كتابه «سينما نعم.. سينما لا»، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب/،2007 يتناول فتحي العشري بالنقد أكثر من 145 فيلما مصريا، أُنتجت بين عامي 1994 و.2005 لكن حالة ناقدنا، حالة مختلفة جذرياً، فهو قرر أن يخوض، منذ البداية، معاركه النقدية، داخل المشهد السينمائي المصري حصراً، وأن يقوم بتقويم العمل الفني، بعيداً عن أي مؤثرات خارجية، لكي يحقق رسالته، لأن على الناقد «ألا يتوجه في كتابته إلى الجمهور فقط إنما أيضا إلى صناع الأفلام»، ونتيجة لموقفه هذا «حصد الأعداء.. وعانى كثيراً، سواء خارج عمله أو داخله».
للوهلة الأولى تأتي متعة الكتاب من أسلوبه الساخر وطرافة عناوين مقالاته:
«ليلة قتل» تصبح «قتل السينما المصرية»، و«الناجون من النار» تصبح «الناجون من السينما»، و«المهاجر» يصبح «سياحة سينمائية مُبهرة».
وتعقيبه على فيلم «اغتيال» لنادر جلال: فيلم مأخوذ بالطول والعرض عن فيلم «الهارب» الأميركي. وفيلم «شجيع السيما» منقول أيضا حرفياً من فيلم «مهمة صعبة» الأميركي. وهنا لم تكتف السينما المصرية باغتيال نفسها، إنما تغتال السينما الأميركية أيضا. وعن فيلم لعادل إمام: «ولأن أفيش الفيلم لم يهتم بكتابة أسماء الممثلين، فيما عدا البطل والبطلة، فحق لنا ألا نهتم بهم أيضا»!
لكن الكتاب ينفعنا في قراءة طبيعة الاتجاهات السائدة في الإنتاج، والتي جعلت من السينما المصرية، رغم عمرها الطويل، تعجز عن أخذ مكانها على خارطة السينما العالمية. ونشير هنا إلى بعض هذه الاتجاهات:
أفلام تهيمن على ذوق الغالبية من الجمهور، الذي أصبح أسيراً لشباك تذاكر، يقدم له سلعته المعتادة.
أفلام ذات طبيعة «برمائية»: عين على الشباك وعين على الخارج. اتجاه مُحيّر لم تحقق أفلامه شرعيتها، حتى إذا فاز فيلم منها في مهرجان، أحياناً، فذلك لا يعني انه فيلم ناجح ومتميز! ونتيجة لذلك يعاقب مخرجه، لأنه لم يتكيّف مع طلبات السوق.
أفلام هدفها الهروب من شباك التذاكر والتوّجه، بصعوبة، إلى المهرجانات والعروض التلفزيونية الأوروبية، وهو اتجاه حققته المدرسة الشاهينية وهيمنت عليه: وهي، حسب الناقد، مدرسة «تتسم بالغموض والتعقيد، ينقصها الوضوح والجلاء، ومع أنها تتميز بالتقنية الفنية، لكن يعيبها عدم التواصل، تستهدف العالمية من خلال المحلية، لكن تمويلها الأجنبي يفرض عليها تصوير سلبيات مجتمعنا، وإبراز تخلفنا».
هكذا بدت أفلام شاهين المُموّلة وهكذا بدت أفلام تلامذته المُموّلة: يسري نصري وأسماء البكري ورضوان الكاشف.
«حنسكت ولن نقول إن فيلم «سكوت حنصوّر» لا يليق بيوسف شاهين، لأن البعض يرى أن الاقتراب منه جهل وجنون».
ملحوظة من الناقد: لم أحضر العرض الخاص إنما شاهدت الفيلم في عرض عام ودفعت ثمن التذكرة!