«عيال قبايل»
«موضة» جديدة غزت المشهد المحلي في الدولة وهي تقاتل العوائل والقبائل المعروفة على الحصول على «شجرة عائلة» وتنسيب لأصول هذه العائلة إلى عدنان وقحطان ومضر اسماً اسماً، مع تفصيل لتاريخ كل جد من الأجداد وتاريخ ولادته ووفاته ورقم موتره ـ أو ناقته ـ لكي تكتب بماء الذهب وتعلق في صدور المجالس، وبالطبع لم يدفع ثمن هذه الهوجة سوى المثقفين والمؤرخين والذين يتعرضون في أحيان كثيرة للغضب أو للتوبيخ لا لشيء إلا لأنهم يتبعون الأساليب العلمية والعملية المتوارثة في علم الأنساب، فالكثير يغضب إذا لم يُنسب إلى الأشراف، وآخرون يغضبون إذا قيل لهم إن نسبهم مختلط بالبر الآخر، وآخر يمزق الشجرة عندما يقرأ أن اسم جده السابع عشر كان «قتيبة» وكأن قريش كانت تعرف أسماء طارش وحارب ومهير وسيف.
وآخر المآسي كانت تعرض أحد المؤرخين المواطنين من المشهود لهم بالدقة وعدم المجاملة في عملهم، إلى محاولة اعتداء في أحد المجالس بالخيزرانة لأن «الشيبة» لم يعجبه أن يكون انتسابه إلى الأشراف، وكان يريد الانتساب إلى أحد الأحلاف الكبيرة، وكأن هناك نسباً أفضل من ما وصل إليه الباحث، على الرغم من أنه لا تعارض في انتماء القبيلة الى حلف كبير والتثبت من أصلها في الوقت نفسه.
ما لم يتفهمه الجميع أن الجزيرة عموماً، والمنطقة خصوصاً، تعرضت في بدايات القرن الماضي إلى فترة معروفة من الفقر والجهل والحروب، اندثرت معها أغلب المعلومات والمحفوظات ولم يبق إلا القليل من المخطوطات العثمانية التي لا يمكن الاعتماد عليها أبداً في التنسيب الكامل والصحيح لأن الأتراك كانت لهم حساباتهم السياسية في ذلك الحين، ويعرفون الخصوصية المحلية في التسميات والتنسيب، فربما ضاع نسب بعض القبائل بسبب «التهجي»، حدثني أحد الزملاء ممن رافقه أن المغفور له المؤسس وباني نهضة الإمارات (الشيخ زايد) كان يتقرب إلى الناس بعلمه عن قراباتهم وصلتهم ببعضهم البعض، عن طريق المصاهرة أو الرضاع وبأنه ـ رحمه الله ـ كان مرجعاً في هذا المجال، وفي هذا بعد نظر وحكمة اختص الله بها فقيد الإمارات، فالعلم بالصلات الاجتماعية يقرب الناس إلى بعضها البعض ويشعرهم بأنهم أبناء العائلة الواحدة، أما الذي يبحث فيه الباحثون الآن لتعليقه فوق رؤوسهم فلن يزيد عن التسبب في داحس وغبراء جديدة، أو أنه سيتسبب في ظاهرة أكثر سوءاً بأن يخرج لنا نسابون بالأجرة يجاملون على حساب الحقائق وينسبون إلى الشجرة التي يريدها «الزبون» بحسب المبلغ المدفوع ، ويذكر هنا أنه في احدى الدول العربية كثر هذا النوع لأن الأمر كان فيه «دفع خمس» و«بزنيس» مما أدى برئيس ذلك البلد في حينه إلى اصدار تشريع بإعدام من ينسب نفسه لنسب لا ينتسب له لكي «لا تضيع الطاسة»!
«يا فاطمة بنت محمد اشتري نفسك من النار فإني لا أملك لك من الله شيئاً» بهذا وصى خير البرية ابنته، فركزوا على أعمالكم وانتسبوا إلى أقرب من تعرفون من أجدادكم المشهود لهم.