أكذوبة «نوبل»

يوسف ضمرة

لا أحد يصدّق كل هذا الهراء الذي تنفثه جائزة نوبل في حقولها المتعددة. فبعد باراك أوباما الذي رشح لجائزة السلام، بعد توليه منصبه بأسبوعين فقط، جاءت فضيحة نوبل للآداب، للألمانية الرومانية هرتا مولر التي صرحت بأنها لم تصدق حصولها على الجائزة، بينما صرح غونتر غراس بأنه كان يتوقع عاموس عوز، وهو توقع رغائبي يود من خلاله التقليل من حدة الهجمة التي تعرض لها في السنة الماضية، كما أنه توقع لا يخرج عن نهج الجائزة التي تضع المعيار السياسي في المقام الأول.

وإذا كانت «نوبل» وفقت من قبل مرات عدة في منح الجائزة سياسيا في لحظات حرجة، كفوز ليخ فاليسا للسلام والشاعر البولندي المغمور ميلوش، ومناحيم بيغن وأنور السادات وغيرهم، فإنها في هذه المرة لم توفق. فالرئيس الأميركي، وبعد سنة على تسلمه السلطة، لم يقدم إلى العالم أي إنجاز سلمي حقيقي، فما بالك حين رشح بعد تسلمه السلطة بأسبوعين فقط. أما الروائية المجهولة مولر، فكل ما فعلته أنها هاجمت نظام شاوشيسكو الشيوعي. وهو أمر لم تعد له قيمة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وزوال الخطر الشيوعي الذي كان بديلاً للقاعدة قبل عقدين.

كان ثمة مرشحون كثر للجائزتين، وربما لم يتم ترشيح بعضهم، ولكننا نتساءل: لم لم يرشّح أو لم يفز واحد مثل جورج غالوي مثلاً، وهو الذي ينظم رحلات إغاثة إنسانية وقوافل إمدادات طبية وتموينية إلى أكثر من مليون ونصف المليون إنسان محاصرين في غزة؟ ولم لم يرشح أو يفز رجب طيب أردوغان الذي يسعى جاهدا لحل المسألة الكردية في تركيا، وحقق في هذا السياق إنجازات مهمة؟ كما إنه يعمل على استقرار أمن منطقة الشرق الأوسط وحل الخلافات في الإقليم بين الدول، كسورية والعراق مثلاً، إضافة إلى رعايته مفاوضات سلام بين سورية وإسرائيل.

وفي الأدب، تطول القائمة. ولا نريد أن نسمي عربياً لئلا نبدو عنصريين أو رغائبيين. ولكن، ماذا عن ماريو فارغاس يوسا مثلاً؟ وماذا عن إيزابيل الليندي؟ وحتى باولو كويلهو مقارنة مع الفائزة، يعد كاتباً عظيما. ولا ننسى كتابا آخرين في أميركا كرواد الواقعية القذرة. ثم نأتي إلى أمين معلوف الذي يمكن اعتباره واحداً من قلائل العظماء في الرواية المعاصرة. فهل يعقل أن تفوز مولر المجهولة جدا، ولا يفوز أمين معلوف أو ماريو فارغاس يوسا؟ علما أن يوسا صاحب «حفلة التيس» ليس ماركسياً ولا أصولياً، بل هو ليبرالي ديمقراطي، ولكن مشكلته كما يبدو مع الجائزة المسيّسة، هي أنه وقف ضد الدكتاتورية العسكرية في جمهوريات الموز، وهو ربما ما لن تغفره له الولايات المتحدة الأميركية، حتى لو كتب مهاجماً منظمة الدرب المضيء التي لا تشكل خطراً كبيراً كما تشكله الأصولية الإسلامية في السياسة الأميركية.

لقد امتازت «نوبل» بالذكاء، وخصوصاً في الأدب، حيث كانت تختار على أسس سياسية وأيديولوجية، ولكنها، في الوقت نفسه، تراعي السوية الفنية العالية. وهذه من المرات القلائل التي تسقط فيها سقوطاً أخلاقياً مدوياً في اتجاهين: السلام والأدب. فهل ظلت ثمّة قيمة لهذه الجائزة سوى ملايينها؟

damra1953@yahoo.com

تويتر