حضور «الوثائقي»

علي العامري

يبدو أن الفيلم الوثائقي أصبح يحقق حضوراً لافتاً في الوطن العربي، ليس على صعيد المهرجانات فقط، بل هناك بوادر لتعزيز ثقافة الأفلام والبرامج الوثائقية، من خلال اهتمام محطات فضائية عدة، وكذلك تخصص بعض المحطات بالوثائقي من أفلام وبرامج، ومن بينها الجزيرة الوثائقية وناشيونال جيوغرافيك أبوظبي، وهي نسخة من المحطة العالمية الشهيرة «ناشيونال جيوغرافيك» التي تدخل 305 ملايين بيت في 165 دولة وتبث بـ34 لغة.

وما يؤكد مكانة المحطتين الوثائقيتين في أبوظبي وقطر انهما ناطقتان باللغة العربية ومجاناً.

ومن المنتظر ان تسهم «ناشيونال جيوغرافيك ابوظبي» مع شركات ومؤسسات اخرى في انتاج برامج وأفلام عن البيئة والحياة في الإمارات.

وعلى الرغم من حداثة عمر المحطة، فإنها، وفي وقت قياسي، حققت نجاحاً لافتاً. وربما ينجذب كثير من المشاهدين الى مشاهدة غرائب الإنسان والطبيعة، خصوصاً ما يتعلق بعجائب الإبداعات البشرية المعمارية التاريخية والأثرية، وكذلك تفاصيل الكوارث الطبيعية أو المصنوعة بيد الإنسان، والصراع الدامي بين الإنسان والإنسان مثل الحروب والجرائم، وبين الحيوانات البرية التي لا تفترس من أجل الافتراس، وبين الكائنات و الطبيعة ممثلة بالزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات والحرائق.

وأعتقد ان السر في ذلك يعود الى شغف الإنسان بمحاولة قراءة المجاهيل والألغاز والغوامض ومعرفة بعض مفاتيحها، فكل غامض مثار للفضول. وربما ايضاً هناك ترددات متشابهة بين نفوس البشر وتلك الظواهر الغرائبية، اذ إننا نكذب اذا قلنا إننا نفهم النفس البشرية بكل ما فيها، فكما اننا لانزال نجهل كثيراً من عوالم الكون، كذلك لانزال نجهل غوامض في النفس الإنسانية. ومن جانب آخر، يتوق الإنسان الى قراءة التحولات التي حدثت أو التي لاتزال تجري، خوفاً على مصيره بالدرجة الأولى، اذ يكشف كثير من الأفلام والبرامج الوثائقية عن الخطر الذي يتربص بالبيئة التي نعيش فيها.

وكما للأفلام السينمائية الروائية جمالياتها وأهميتها في تسليط الضوء على قضايا الحياة، كذلك للأفلام الوثائقية بصمتها الخاصة في التنوير وتعزيز الوعي بالإنسان ومحيطه وقضاياه، خصوصاً انها تعتمد الوقائع مادة لها. وقد حققت هذه الأفلام نجاحاً كبيراً وأثار عدد منها جدلاً واسعاً، ومن بينها فيلم «سيكو» للمخرج مايكل مور الذي فضح فيه خراب النظام الصحي في الولايات المتحدة الأميركية، وقد جاء هذا الفيلم في المرتبة الثالثة في تاريخ الأفلام الوثائقية من حيث الإيرادات، بعد «فهرنهايت» للمخرج نفسه، و«مسيرة البطاريق» الذي انتجته «ناشيونال جيوغرافيك» عن الحياة البرية والذي لايزال في المرتبة الأولى.

يبدو أن هذه النوعية من الأفلام لم تعد مقتصرة على المهرجانات، إذ إنها بدأت تخرج الى شاشات البيوت والشوارع، في مؤشر الى تعاظم دورها في تعزيز الوعي وتشكيل رأي عام وفي تعزيز تبادل التجارب وبين البشر. ومن الواضح ان الإنترنت تلعب دوراً في انتشارها، إذ إن منتديات إلكترونية عدة تخصصت في الأفلام الوثائقية.

 

ali.alameri@emaratalyoum.com

تويتر