من المجالس

الانتخابات الأفغانية علامة من علامات العبث الذي تمارسه «الديمقراطيات» الغربية، والأميركية خصوصاً، تجاه شعوب جنوب الكرة الأرضية. فأميركا وحليفاتها تريد أن تكون «الديمقراطية الأفغانية» أنموذجاً يجب على سائر دول العالم الثالث، وخصوصاً الدول الإسلامية، الاقتداء به والسير على نهجه، من دون أن تأخذ بأسباب صناعة هذا الأنموذج. دخل الأفغان، أو أُدخلوا، إلى التجربة الديمقراطية عبر بوابة الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ظل بيئة سياسية يهيمن عليها الاحتلال الأجنبي، ويتنازعها التحارب القبلي، وبيئة اجتماعية ينهشها الجهل والفقر والفاقة والمرض، وبيئة اقتصادية تتصدرها تجارة المخدرات والسلاح والتهريب. وبها تعطلت آلية العملية الانتخابية ودخلت في أنفاق البيع والشراء والغش والتدليس والتزوير والابتزاز، لتصل إلى محطة التعطيل والتشكيك، والإعادة. ترفع الدول الغربية شعار العقيدة الديمقراطية، وتعمل على التبشير به لدى الشعوب الأخرى، وتوصيله إليها على ظهور حاملات الطائرات وجحافل الجيوش الغازية، ولكنها لم تفكر في الفرق بين مفهوم الهيمنة بالقوة ومفهوم نشر المبادئ، واعتقدت أن المبادئ والأفكار والثقافات يمكن أن تنزل على رؤوس الآخرين مع جنود المظلات الفاتحين. أفغانستان، ومثلها دول أخرى، إسلامية وغير إسلامية، في حاجة إلى المدرسة، والمستشفى، والطريق المرصوف والجسر المعلق والمسجد الآمن، لتبني عليها وبها جميعاً مدنيتها، قبل الحصول على صندوق الاقتراع، ولجان المراقبة، وبطاقات لا تصل إليها بصمات شعوبها، ويذهب أكثرها إلى أمراء البيع والشراء والمتاجرة بمستقبل الأوطان. «الديمقراطية الأفغانية» واحدة من تجارب الديمقراطية المتوحشة التي تقدّم البرلمان على المدرسة، وتفضل ثقافة الانتخاب على ثقافة التعايش وصناعة المستقبل. واليد الفاقدة لا تعطي شيئاً. ومن تنقصه أسباب الحياة الكريمة والاعتراف بالسيادة في وطنه لن يستطيع أن يكون ديمقراطياً وإن أغرقته عواصم الديمقراطيات العريقة بالمبشرين والمراقبين، كما تغرقه بالسلاح وعدة المسلحين.

adel.m.alrashed@gmail.com

الأكثر مشاركة