سينمائي من كوكب آخر

قيس الزبيدي

يعد المخرج التسجيلي الفرنسي كريس ماركير، حتى بالنسبة إلى زملائه، شخصية محيرّة. فباول بافيوت يعتبره من رواد القرن 21 وكأنه كائن جاء من كوكب آخر. ويوافقه الرأي، بشكل مطلق، آلان رينيه، لأنه يراه: «نمطاً من ناس القرن 21 وبوسعنا أن نقول، إن منهج ليوناردو دافنشي نفسه، هو منهج كريس ماركير». ويراه روبرت لابوياد واحداً من ناس عصر النهضة.

فمن هو كريس ماركير حقاً؟

إنه صحافي وناقد سينمائي ومصور فوتوغرافي ومختص بتصميم الخدع السينمائية، كما أنه روائي وكاتب مقالات. والسينما عنده مجرد ماسورة لغوية، وواحدة من وسائل التعبير المُفضلة في بناء المشهد الفيلمي، أو تدوينه على الورق.

إنه ماركسي- لينيني، كان لا يكل ولا يتعب، يعيد النظر بقناعاته كل يوم. إنه محاور ساخر، يعنيه التعليق، أكثر مما تعنيه الصورة، خصوصاً إذا كان التعبير عن المعنى غيرَ مألوف.

ويراه المنظر أندريه بازان ينتمي إلى جيل المؤلفين الجدد الذين يعتقدون أن زمن الصورة جاء حقاً، لكن من دون التضحية بأهمية اللغة (...)، يهمه التعليق، لكن، ليس كعنصر يُضاف للصورة، إنما كمُكون أساسي للصورة.

ولعله حقق نبوءة بازان في فيلمه «مايو الجميل» الذي سجل في تاريخ السينما حالة فريدة، ونال الجائزة الذهبية في مهرجان لايبزغ في .1962 ومن أفلامه المهمة «تحيا كوبا» ،1961 و«وقطار النصر»، و«الجهة السادسة للبنتاغون»، و«رسالة من سيبيريا»، و«معركة العشرة ملايين».

أسس ماركير أ«سلون»، وعرفها ليس كمؤسسة للإنتاج،أ إنما كأداة للعمل، وسلون هي كلمة مختصرة، لـ«جمعية تنفيذ أعمال جديدة»، وتعني باللغة الروسية: فيل! جمعية تصنع بوساطتها الأفلام التي لا يحق لها أن توجد! كما أن المعلومات التي تنشرها أفلام «سلون» لا يمكن سماعها لا في الراديو ولا مشاهدتها في التلفزيون. ومن أعمالها فيلم «بعيداً عن فيتنام» في عام1967 الذي شارك في صنعه مجموعة من المخرجين منهم غودار ورينيه وإيفنز وأيضاً ماركير.

قدر أفلام ماركير أنها لم تصنع لتعرض في الصالات التجارية! وهنا يمكن أن يطرح السؤال التالي: من يشاهد هذه الأفلام التي يتجاهلها حتى الإعلام؟ وما مدى تأثيرها في الجمهور؟وفي الغالب لا تعرض هذه الأفلام في الصالات التجارية إلا فيما ندر. إنما تعرض، غالباً، في الاجتماعات النقابية وفي التجمعات العمالية وغيرها.

تنتج «سلون» أفلامها بتكلفة قليلة، بحيث يستطيع مردودها أن يغطي كلفتها. لكن كان عليها، لكي تستمر في الإنتاج، أن تجد مصادر مالية جديدة، بغض النظر عن كلفة الإنتاج القليلة. وأكبر مردود من أفلام سلون (نحو 90٪) كان يأتيها من العروض في محطات التلفزيون الأجنبية، و10٪ يأتيها من العروض التجارية في هولندا وفرنسا، كما كان يتم توزيع بعض أفلامها من قبل شركة «الفيلم الآخر» الإنجليزية.

كانت المخرجة أغنيس فاردا تجد ولع ماركير بالمغامرة والاكتشافات والمواجهات يجعل من سينماه، سينما تعليمية، بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وصرح هنري ميشو مرةً «علينا أن نقوّض السوربون، ليحل محلها كريس ماركير».

 

alzubaidi@surfeu.de

تويتر