«التفرغ» لبيع الكلمات!

المواطنة ليست ميزة في حد ذاتها، بسببها يحصل الإنسان على حقوق كثيرة من دون أن تكون عليه أدنى التزامات، فالمواطنة سلوك وتصرفات مملوءة بالإخلاص والتضحيات والحب، للأرض والوطن والمجتمع، قبل أن تكون مجرد كلمات تُكتب على وريقات صغيرة!

المواطن الذي يبذل جهده فقط من أجل الحصول على مكتسبات بوسائل غير قانونية، ويسعى إلى التحايل والتلاعب من أجل مصلحته الشخصية التي تتقاطع مع مصلحة المجتمع والوطن، لا يمكن اعتباره مواطناً حتى لو كان يحتفظ في جيبه بجواز سفر ساري المفعول، وخلاصة قيد وبطاقة هوية!

والمواطن أو حتى «المواطنة»، بكسر الطاء، التي تعشق التنظير سواء من خلال الكتابة بكلام معسول، أو بإلقاء المحاضرات القائمة على بيع الجُمل المنمّقة وتسويق النفس، تحت غطاء المصلحة العامة، بينما يعرف تماماً كل من يقترب منها أنها غارقة بأسلوب مكشوف في دوامة المصلحة الشخصية الضيقة، لن تستطيع بالتأكيد إقناع المجتمع، خصوصاً عندما تطالب الناس والموظفين بالإخلاص، وزيادة الإنتاجية، والجد في العمل، ومضاعفة ساعات العطاء والتميز، ثم لا تجد تلك الكلمات سبيلاً في واقع وشخصية من يرددها، فالحقيقة تثبت أن من تروج للعمل لمصلحة الوطن، لم تدخل مقر عملها منذ سنة ونصف السنة أو أكثر قليلاً، ولم تنتج عملاً بمثقال درهم تستحق عليه الراتب الشهري الذي يتزايد تلقائياً في رصيد بنكي من دون جهد سوى أنها .. «مواطنة»!

لن يبخل الوطن على مواطنيه بالتأكيد، وللمواطن الحق في الحصول على مزايا ومكتسبات عديدة باعتباره جزءاً من هذا المكان، لكن هذه المكتسبات أيضاً تواكبها مجموعة من الاستحقاقات، أهمها الإنجاز والإخلاص وحب العمل والإنتاج، ومهما كان هذا العمل بسيطاً أو صغيراً أو متواضعاً.. فهو بالنسبة للوطن مهم، كل يكمل الآخر، فمن الخطأ الاستهانة بالعمل مهما كان حجمه أو نوعه. أما الاستعاضة عن خدمة البلد بكلمات خادعة ومزيفة، والحصول على مكتسبات لا يستحقها الإنسان لأنه لم يقدم ما يجعله مؤهلاً للحصول عليها، فإن في ذلك منتهى التحايل والتلاعب، وفي ذلك انتهاك للمبادئ والقيم والأخلاق والدين قبل أن يكون فيه انتهاك للمؤسسة والمجتمع والوطن!

لا حرج في أن يكون الإنسان «صغيراً» فكل صغير يكبر، ولا حرج في أن يكون هاوياً أو محترفاً، فلكل منزلته وقدره، ولا حرج في أن يعمل الإنسان ويخطئ، لكن الحرج كل الحرج في من لا يقدم شيئاً ولا يعمل، والحرج الأكبر في مَن امتهن إحباط الآخرين، وقذف الناجحين، وتصيد الأخطاء البسيطة، وهو في الحقيقة يعبر عن حالة مرضية، تنطلق من عقدة نقص، على ما يبدو.

الدولة تحتاج إلى أبنائها المتميزين الناجحين والمؤثرين، وهي لا تحتاج إلى نظريات وأقوال مزيفة وفارغة، لا يهمها من يكون الشخص، ومن أي بلدة هو أو في أي إمارة وُلد، ولا يهم كثيراً اسمه الأول أو الأخير، المهم أنه يدرك تماماً ما معنى «المواطنة» ـ بفتح الطاء لا بكسرها هذه المرة ـ يدرك ما معنى الإخلاص للوطن، والتفاني من أجله، ويعطي بقدر ما يأخذ، لا أن «يتفرغ» للأخذ، مقابل تصفيف الجمل والتلاعب بالكلمات!

reyami@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة