حان وقت المساءلة والعقاب!
طبيعي جداً ما يحدث، مرت مدينة دبي بقفزات تطويرية شاملة، وتسارع النمو الاقتصادي، وتدفقت مليارات من دراهم الاستثمارات. كل ذلك بسرعة شديدة لم يكن يتوقعها أحد، تزامنت مع وجود طبيعة نفس بشرية «طامعة»، استغلت أو تعمدت إبطاء مواكبة هذه السرعة في النمو بقوانين ولوائح وأنظمة تنظم العمل، وتكبح جماح الجشع والطمع، فكانت النتيجة ظهور شريحة من المتربحين الذين استغلوا صلاحيات المنصب، وعمدوا إلى الاستحواذ بشكل مباشر على بيض الذهب الذي كانت تنثره بكثرة دجاجة العقار.. وبما أننا لسنا في مجتمع مملوء بالملائكة، فإن هناك مَن ضعف أمام إغراء المال، وسمح لنفسه بأن ينتهك من الأموال العامة من أجل تربح سريع غير مشروع، ولكن هناك أيضاً من عمل ومازال يعمل من أجل وطنه وبناء الاقتصاد دون أي مصلحة شخصية، ومن أجل ذلك كانت الإجراءات الصحيحة التي انتهجتها دبي خلال الأسابيع الماضية، حتى تفصل بين الصالح والفاسد، وحتى لا يظلم أحد، ولا تزر وازرة وزر أخرى، هناك رقابة مباشرة من دائرة الرقابة المالية التي تتبع ديوان الحاكم مهمتها الرئيسة التدقيق في حسابات الدوائر والشركات التي تسهم فيها الحكومة بنسبة 25٪ وأكثر، ومن حق هذه الدائرة استدعاء أي مسؤول أو موظف في تلك الدوائر والشركات، للتحقيق معه والتأكد من سلامة وضعه المالي، وإن ثبت وجود أي تلاعبات، أو مخالفات، أو تجاوزات، يتم إحالة هذا المسؤول إلى النيابة العامة، لتكمل الأدوار والإجراءات القانونية.
دبي مدينة مبادرات، والمبادرة الجديدة في مكافحة الفساد تعيد رفع أسهم وسمعة اقتصاد المدينة إلى مستويات عليا، فليست جميع المدن قادرة على ذلك، ولا يتساوى المواطنون والمسؤولون أمام القضاء بهذه الطريقة العادلة في كثير من دول العالم.. لا حصانة لمسؤول تثبت إدانته، ولا حصانة لصاحب منصب مهما كان حجم الكرسي الذي يجلس عليه. هذا ما أكدته دائرة الرقابة، وهذا ما أكده قائد عام شرطة دبي الذي قال إن «محمد بن راشد لن يترك فاسداً في دبي دون عقاب»، وهذا النهج الجديد الذي بدأت ملامحه تبرز في دبي، لا يمكن أبداً أن نراه في أي مدينة أو دولة من دول العالم التي تحيط بنا.
شجاعة تعادل تماماً الشجاعة التي أسهمت في اتخاذ كثير من القرارات والمبادرات الاقتصادية الضخمة، وشجاعة في الاعتراف بالواقع الخاطئ، ومحاولة تصحيحه، وشجاعة ما بعدها شجاعة في جعل الوطن هو الأهم والأولى من كل الأسماء، مهما كان موقعها أو منصبها، لأن الوطن هو الذي سيبقى وتلك الأسماء في زوال.. ما حدث طبيعي جداً، لكن ما لا يمكن أن نفهمه، وما لا نجد له تبريراً، هو كيفية ظهور أصحاب نفوس ضعيفة في دولة مثل الإمارات، وفي مدينة مثل دبي. كيف يمكن لمسؤول «مواطن» يعمل مع رجل عظيم مثل محمد بن راشد آل مكتوم، أن يسمح ليده بأن تمتد إلى أموال لا حق له فيها، وما الذي يمكن أن يدفعه إلى ذلك؟ سموه يغدق الخير الكثير على كل من يبذل جهداً مهما كان بسيطاً في خدمة الوطن، وهذا ليس سراً بل يعرفه الجميع، فهو لا ينتظر النتائج من أجل تكريم العاملين، فعطاؤه يسبق عملهم، وكرمه غطى جميع المسؤولين والموظفين.. ليس ذلك بسر أبداً، وجميعنا يعلم حجم العطايا من أراضٍ ومكافآت ورواتب مجزية، لم يكن يحلم بها كثير ممن عملوا معه، فهل جزاء ذلك كله خيانة الثقة والأمانة والمسؤولية والوطن؟! حملة مكافحة الفساد يجب أن تستمر، شريطة أن تكون دقيقة وعادلة وقانونية، وإجراءاتها «سليمة»، وشريطة أن يتساوى جميع من تثبت إدانتهم في العقوبات المعنوية والمادية، وكل إنسان مسؤول عن عمله، وحان وقت المساءلة والحساب!