ملتقيات القصة ورغبة التكفين
افتتح، أمس، في القاهرة وبدعوة من المجلس الأعلى للثقافة في مصر «ملتقى القاهرة الدولي الأول للقصة العربية القصيرة»، بمشاركة أكثر من 100 قاص وناقد عربي. والقاهرة التي حملت قصب الريادة في القصة القصيرة العربية، من خلال أسماء مازال لها إيقاعها القرائي في الوجدان العربي، تقوم في تحقيق هذا الملتقى الذي تقيمه لأول مرة، بعد ملتقيات عربية عدة خاصة بالقصة القصيرة. ربما كان أهمها ملتقى القصة الأول الذي عقدته جمعية النقاد الأردنيين في العام الفائت، وتبعه ملتقى القصة العربية الذي نظمته أمانة عمان منتصف العام الجاري. ونقول أهمها، لأن هذه الملتقيات حفرت عميقاً في القصة القصيرة إلى الدرجة التي سُميت فيها عمّان حاضنة القصة القصيرة.
وملتقى القاهرة الذي حمل اسم القاص المصري الراحل يحيى الطاهر عبد الله يجيء ـ بحسب البيان الموضح لحيثيات إقامة الملتقى ـ في ظل ما يراه كثيرون تراجعاً في القصة القصيرة، وأنه يهدف إلى إعادة الهيبة إلى ذلك اللون الادبي المميز، ورصد حالة القصة القصيرة في العالم العربي، ودراسة جوانبها المختلفة. ومع تقديرنا الكبير لهذه اللفتة تجاه فن القصة القصيرة الذي ظلّ يعاني الإقصاء والتهميش وإزاحته من واجهة المهرجانات والملتقيات السنوية والجوائز المهولة، أسوة بقنوات إبداعية أخرى مثل الشعر والرواية، إلا أنني كقاص أمضى نصف عمره الفيزيائي في كتابة القصة القصيرة، أشعر أنه من الواجب علي أن أسأل عن سبب تعامل الجهات الثقافية العربية مع القصة القصيرة العربية على اعتبار أنها تحتضر في غرفة العناية المركزة، وأنه في حالة تناولنا لها نقدياً في ملتقيات وندوات، نذهب ناحية المحاور التي تشكك فيها وتعتبرها ابنا غير شرعي لفكرة الكتابة بمجملها.
فمن يَعُدْ إلى الملتقى الذي نظمته جمعية النقاد الأردنيين، ويبدأ بمعاينة المحاور والعناوين النقدية التي اشتمل عليها الملتقى، سيجد تشويشات نقدية على هذا الفن الجميل، تشويشات ذهبت إلى درجة أن أحد النقاد طالب علناً بالكف عن كتابة القصة القصيرة وإلحاقها بالرواية، على اعتبار أن القصة القصيرة هي في الأصل محاولة تمرين على كتابة الرواية.
ومن يعد إلى المحاور التي تناولها الملتقى الذي نظمته أمانة عمان، ويقرأ بعض المحاور على غرار: القصة القصيرة إلى أين، ومستقبل القصة القصيرة، والقصة وثقافة الصورة، سيجد أن الأسئلة النقدية تنم عن نية افتراضية مسبقة في تكفين القصة القصيرة، وتعالوا نتأمل محاور ملتقى القاهرة الأول، وعناوين الجلسات «القصة القصيرة.. تواصل أم انقطاع» و«القصة القصيرة.. قضايا النشأة والتطور والانتشار في الثقافات الإنسانية» و«قواعد الفن القصصي.. الثابت والمتغير» و«القصة والصحافة الأدبية.. الانكماش والازدهار» و«القصة القصيرة ومشكلات التعريف» و«القصة القصيرة ومغامرات الشكل» و«القصة القصيرة والمدونات». إن عناوين ومحاور تحمل مثل هذه المفاتيح النقدية لابد أن تعطي النقاد حجة في إعادة القصة القصيرة من جديد على مشرحة النقد العربي، لكي تُسأل من جديد عن مسوغات وجودها، وعن مدى ضرورتها والتعامل معها كفن طارئ، أو كنبت شيطاني حطَ على القنوات الإبداعية بمظلة مزورة.
إنّ القصة القصيرة العربية التي أهملت كثيراً تستحق منا ومن ملتقياتنا ما ينهض بها؛ خصوصاً أنها ظلت وفية لنهجها ووفية لروادها النجباء، ولم تمتلك جلداً حربائياً يغير لون نموها النادر والجميل.