الوقاية ليست غسل اليدين فقط!

عندما نشرنا قصة أحمد الجنيبي، ذلك الطفل الذي رفض مستشفيان استقباله لعلاجه من «أنفلونزا الخنازير» بسبب تعقيدات إدارية ومالية، وخلاف مع شركة التأمين، كنا متأكدين تماماً أن حالته لن تمرّ دون حل، وهذا ما كان أمس عندما تفاعل المسؤولون والناس مع القصة المنشورة، وتكفّل أحدهم بعلاج الطفل فوراً. توفير علاج أحمد ليس نهاية القصة، كما أنه ليس المشكلة الرئيسة في الموضوع، فمرض أحمد هو مرض شائع ومنتشر، وليس خطراً، كما أنه ليس مكلفاً، ولا يحتاج إلى تقارير طبية وسفر إلى الخارج وعمليات معقدة، المسألة كلها لا تتعدى 5000 درهم، فالموضوع ليس حالة فردية متمثلة في أحمد، إنما هي قصة قابلة للتكرار بشكل يومي وربما نصف يومي مع توسع انتشار المرض، وبالتالي فالموضوع بحاجة إلى قرارات واضحة تضمن عدم تكرار هذا التخبّط. نحتاج إلى قرارات واضحة من وزارة الصحة توزع على المستشفيات الخاصة والعامة وشركات التأمين، هل ترفض المستشفيات كل الحالات أم أن هناك أولويات حسب حالة المريض ودرجة خطورته؟ وهل يحق لمستشفى خاص رفض استقبال حالة مرضية صعبة لخلافه مع شركة التأمين أم أن هناك طرقاً أخرى يمكن اتباعها؟ وهل علاج «أنفلونزا الخنازير» هو من اختصاص وزارة الصحة باعتباره «وباءً»، أم أن شركات التأمين ملزمة بتغطية نفقات علاج المصابين بهذا المرض؟ هذه الأمور وغيرها يجب أن توضح بقرارات وزارية توزع على الجميع، حتى لا تتكرر حالة أحمد، فهو لم يرفض لعدم توافر العلاج في المستشفيات، لكن المستشفيات رفضت إدخاله لعدم وجود قرارات واضحة في هذا الشأن. وكذلك الحال مع الطفلة «موزة» التي فقدت حياتها بسبب إهمال طبيبة، وفق ما أقرّته لجنة التحقيق التي شكلتها هيئة صحة دبي، التي قررت وقف الطبيبة نهائياً عن العمل، وهو إجراء لا يخلو من الشجاعة من قبل مسؤولي الهيئة الذين اعترفوا بالخطأ وعاقبوا المقصّر، ولكن هل هذا كل شيء؟ بالتأكيد لن نطالب بإعدام أي طبيب يتسبب في كارثة بسبب خطأ طبي، فالخطأ وارد، لكن الإهمال مرفوض.

وعموماً لن تنتهي الأخطاء الطبية، ولكن يمكننا أن نتخذ خطوات للتقليل منها، فعلى سبيل المثال، هل تم تعميم الخطأ الرئيس الذي أدى إلى وفاة «موزة» على جميع أطباء الأطفال؟ وهل تم الشرح لهم عن ماهية التقصير الذي قامت به الطبيبة؟ وما الخطوات الصحيحة التي كان يجب اتخاذها في مثل هذه الحالة؟ أعتقد أنه لو تم ذلك فإننا سنضمن على أقل تقدير عدم وقوع الخطأ نفسه مع أي طبيب آخر مرة أخرى. خطوة سهلة، لكن تأثيرها سيكون كبيراً، التعميم بشكل دوري منتظم على جميع أطباء القطاعين العام والخاص بكل الأخطاء التي ترتكب بشكل تفصيلي، وإعطاء التعليمات «الطبية» الصحيحة في كيفية التعامل معها، حتى يمكننا على الأقل ضمان عدم تكرار الأخطاء ذاتها، وإن كان بالإمكان تجميع الأطباء والشرح المباشر لهم سيكون من دون شك أفضل وأسرع في إيصال المعلومة. «الوقاية دائماً خير من العلاج» أليس هذا هو المبدأ؟ إذن فلنتبعه في كثير من أمورنا الطبية، فالوقاية ليست تعقيماً وغسل اليدين قبل الأكل وبعده فقط، بل هي كل ما يمكن اتخاذه لمنع حدوث المشكلة مهما كان نوع هذه المشكلة.

 

reyami@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة