من المجالس
للسياسة قواعدها التي تؤكد تمركزها في الفن والرياضة. فهي اللعبة الأكبر التي كثيراً ما تدور الألعاب الأخرى في ملاعبها المظلمة. فكلما احتاجت السياسة إلى أوراق جديدة ترسم عليها خرائطها اقتحمت الرياضة وساحات الفن لجلب تلك الأوراق وفرش هاتيك الخرائط. يحدث ذلك على أعلى مستويات الألعاب السياسية في العالم عبر المسابقات الدولية والإقليمية، ويحدث كذلك في الملاعب الجانبية والصغيرة داخل الدول، إما لإسكات اتجاهات معاكسة، أو للتأثير في صناديق الاقتراع، أو لتمرير سياسات، أو للتغطية على صعوبات وفشل استراتيجيات. ولا تستطيع السياسة تحقيق أهدافها إذا لم تكمل دورها بآلة الإعلام، ليشتد العزف إلى درجة الضجيج، فينقطع السمع إلا عن وخزات الموجات فوق الصوتية لتتبرمج الأدمغة، وتُوجه المواقف، وتستنفر كل الطاقات والأعصاب والمشاعر لخوض المعركة الوحيدة والكبرى تحت رايات الأوطان، وتجاوز المعارك الجانبية التي تؤرق تلك الأوطان وتحدّ من نموها. وقد كان للسياسة حضور القائد في الكثير من المناسبات والمسابقات الرياضية، سيراً من سيبيريا في أقصى شرق الكرة الأرضية وحتى وادي الأمازون العظيم في غربها. ولكن على مستوى اللاعبين الكبار بقيت الأمور داخل المستطيل السياسي، بينما بلغ المدى أبعد من ذلك إلى حد الاحتراب عندما أُسدي الأمر إلى اللاعبين الصغار. وكثيراً ما اشتد الصراخ الإعلامي والتراشق الدعائي حتى كاد أن يصدم الرؤوس بالرؤوس فيفجر الماء أنهاراً. ذلك إرث عالمي يستحضر جذوره من جاهليات أولى وثانية، وحتى الأخيرة. ولكن في إرثنا العربي مشاهد أكثر إثارة، وداحسيات لا تنقصها قوافي الصفائح السود والصحائف الرمادية، ولا تخونها الذاكرة لتستجمع قواها وتطلق تكبيرات «الفزعة» الكبرى، ولم يكن ينقصها شحن إعلامي لتفجر احتقانها الذي أصبحت إفرازاته طافية في الرؤوس إلى درجة الغمر، بل الإغراق. هل أصبحنا نفتقد العقل، وهل فقدنا العقلانية إلى درجة تسليم الذود عن «الوطنية» إلى الغوغاء، وإلقاء الكرة في مدرجات الجماهير؟