أدب المقاومة

يحتاج المصطلح الأدبي إلى رافعة اجتماعية حقيقية، قادرة على دعم مضامينه وترجمة نياته وتصليب مكانته. وقد ظلت المصطلحات الأدبية التي تحمل مسماها وهي تتغذى من نبع الحياة الاجتماعية والسياسية لتأخذ حق شرطها اليقيني في الوجود والاستمرار.

واستطاعت المصطلحات الأدبية أن تتناسل كالفطر خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، لما حمله قرننا الفائت من ويلات وحروب وكوارث جعلت المجتمعات تدعم الفلسفة الوجودية وتداعياتها العدمية، وتتقبل منتجاتها الأدبية والإبداعية. وقد ظلّ المصطلح الأدبي العربي يعيش على ضفاف المطلح الإبداعي الغربي، ويعيش تمظهراته بمستويات متفاوتة. ويمكن القول إن مصطلحات الفلسفة الوجودية وأدبياتها قد ظهرت واضحة في أعمال إبداعية عربية، إلى درجة الإحلال الكامل، والتمثل لمصطلحات هذه الفلسفة بكل ما تحمله من عدمية وإحساس باللاجدوى.

لكن المصطلح الحقيقي الذي انبثق من واقع عربي، وحملت دعامته الجماعية الجماهير العربية، هو ما اصطلح على تسميته بـ«أدب المقاومة». فقد انبثق هذا المطلح من واقع الكارثة الفلسطينية وتداعياتها المدمرة في حربين متتاليتين. الأولى كانت إثر عام النكبة عام 1948 ،والثانية كانت إثر عام النكسة عام 1967 .فقد ولّدت هذه الانكسارات الكارثية في المجتمع الفلسطيني والمجتمعات المجاورة له نهضة إبداعية استطاعت أن تفرز أدباً مقاوماً، حمل على عاتقه إبراز مظاهر المقاومة الملحمية للشعب الفلسطيني وهو يكافح ويدافع عن أرضه. وقام هذا المصطلح بفرز أسماء جديدة حملت طعم الكتابة المقاومة، من أمثال: توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان وإميل حبيبي وتوفيق فياض وغسان كنفاني. وقد أصبحت مجمل النتاجات الأدبية لهؤلاء الكتاب والشعراء بمثابة البوصلة التي تهتدي بها المقاومة، كي تستدل على ما يؤجج هدفها المقاوم.

وقد ساعدت الجماهير الفلسطينية والعربية على توطيد هذا المصطلح في أدبياتها ومهرجاناتها وأمسياتها الشعرية، وبدأ شعر الأدب المقاوم يعيد للشاعر العربي منصته الجماهيرية التي افتقدها منذ أمد طويل، ويعيد له طعم الشموخ في الوقفة ونطق الشعر الذي يهز وجدان الجماهير، ويوطد ارتباطها بالعقل المقاوم.

لكن مع ترحيل وتهجير الثورة الفلسطينية من بيروت إلى تونس، وقبل ذلك إقدام مصر على توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. ومن ثم إقدام الثورة الفلسطينية على توقيع معاهدة «أوسلو»، وترحيل رجال الثورة الفلسطينية من تونس إلى منطقة السلطة الفلسطينية. بدأ هذا المصطلح بالتراجع وفقدان قواه، إلى الدرجة التي قال فيها الشاعر الراحل محمود درويش، حينما طلب منه في إحدى أمسياته قراءة قصيدته ذائعة الصيت «سجل أنا عربي»، قال لجمهور الأمسية: «ارحمونا من هذا الحب».

وإذا أضفنا لكل هذه التداعيات تفشي ثقافة الصورة والحضور الصافع للخبر العاجل، فإنه يمكن تفهم التراجع الجماهيري عن دعم مصطلح أدب المقاومة، لأن ما يمكن أن يعبر عنه الشاعر في قصيدة مطولة اصطادته الكاميرا في لحظات يصعب نسيانها. ومن هنا يمكن الجزم أن مصطلح أدب المقاومة قد بدأ يأفل من الساحة الفلسطينية والعربية، وأنه بدأ بالترجع لصالح تهويمات إبداعية لا تمتلك تلك الدعامة الاجتماعية التي كانت متاحة لمصطلح الأدب المقاوم.

 

khaleilq@yahoo.com

الأكثر مشاركة