«الحرفنة في الجردنة»
قبل فترة جمَعَنا مجلس مسائي بالشيخ محمد بن عبدالله آل ثاني، مدير نادي الرماية في الشارقة، وسألناه عن سر فوز أحد الهواة بالبطولات التي تجري في النادي، على الرغم من وجود الكثير من المحترفين ومنتسبي المؤسسات العسكرية في المسابقات، فأجابنا بأن السبب بسيط للغاية، وهو أن ذلك الهاوي يستخدم أسلحة النادي نفسها المستخدمة في البطولة، بينما الآخرون المحترفون يستخدمون أسلحة أخرى في تدريباتهم مما يجعل له أفضلية عليهم.
تذكرت هذه الواقعة وأنا أرى وزيرة الخارجية الأميركية وقد عادت الحمرة إلى وجهها، وهي تسافر هنا وهناك، من أجل الوقوف على مصالح بلدها، وتخيلت لو أننا لعبنا بأسلحتهم نفسها وقمنا بـ«جردنة» معالي هيلاري كلينتون في تلك الفترة التي كانت فيها كسيرة الجناح بسبب مونيكا، وقمنا بالطبطبة على ظهرها، ألم نكن سنكسب حليفاً أو طرفاً لقضايانا ! ولكننا انشغلنا في ذلك الحين بتفاصيل السيجار وهل كان كوبياً أم أنه مبسم شيشة؟!
«الجردنة» واستمالة الشخصيات التي قد يكون لها مستقبل سياسي في الدول المؤثرة، أصبحت ضرورة واقعة، وعلينا أن ننظر للماضي القريب كيف استعدى العرب؟ كما يروى؟ الوزيرة السيئة الصيت كونداليزا رايس ثم كيف أعادت لهم الصاع صيعاناً في ما بعد، وكيف فهم اليهود قواعد اللعبة وكسبوا قلب مادلين أولبرايت وعواطفها وهي لم تنسَ لهم ذاك الجميل عندما أصبحت وزيرة للخارجية و«رجل أميركا القوي» كما كانت توصف.
لا يخفى على مراقب للوضع العربي الداخلي، أن يحس بأن «الآخرين» يقومون بهذا الدور، فهم لا يتوسمون في رجل، أو امرأة، أنه سيكون صاحب منصب مؤثر إلا وتبدأ عملية استمالته وزرع الإعجاب «بحضارتهم» في داخله والاهتمام به أثناء دراسته في الخارج، وتوثيق الصلات به، وهم بهذا يكسبون أصدقاء سيكون لهم تأثير في خدمة مصالحهم في ما بعد، فأين نحن من ابنتي باراك اوباما وزوجته الأنيقة؟ أليس الاهتمام باستقطابهن أولى من الاهتمام باستعادة ابنة محمد الفايد وطفلها غير الشرعي من «براثن» اللندنيين.
* * *
لا يوجد تعارض بين محاولة استمالة الآخر وبين ما يعرفه العلماء بالولاء والبراء، طالما أن الهدف يصب في تحقيق مصالح استراتيجية قد تخدم الوطن في ما بعد، والذين يرون أنه لا حل إلا بالمواجهة عليهم أن يتذكروا أن المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد بدأ بجملة «سلام عليك» للمنذر بن ساوي، وللنجاشي، قبل أن يذكر «أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين» للمقوقس وهرقل.