المحكي الروائي والمحكي السينمائي

حمادي كيروم ناقد وباحث سينمائي مغربي، نُشر له الفن السابع في دمشق كتابه الأكاديمي «الاقتباس من المحكي الروائي إلى المحكي الفيلمي» الذي نال عليه شهادة الدكتوراه. ويتألف كتابه من بابين، ويعالج الأول منه جمالية الاقتباس والمحكي الفيلمي في ثلاثة فصول، ويحلل الثاني منه، في خمسة فصول، اقتباس رواية نجيب محفوظ «بداية ونهاية» إلى فيلم لصلاح أبوسيف.

يعالج الباحث مبادئ الاقتباس ونظرياته، انطلاقاً من المقارنة بين الطبيعة المختلفة لوسيط الرواية ووسيط الفيلم، من خلال مجموعة من المنظرين الذين أنجزوا أهم الأدبيات حول إشكالية تفليم الأدب. وتشكل مسألة الاقتباس السينمائي، حصراً، موضوع الكتاب في مجالين أساسين: أولهما الاقتباس الأمين الحرفي، الذي يقتصر فيه دور المخرج على تحويل الكلمات التي تعبر عن أحداث الرواية إلى صور الفيلم، من دون خلق أحداث تغيّر سياق الفيلم عن الخط الذي رسمته الرواية. وثانيهما الاقتباس الحر غير الأمين، الذي يبدأ من الانزياح التام في تحويل الرواية، عبر التعرف إلى ما يسميه الباحث «الذاكرة الداخلية» للنص الأصلي.

يتأسس الاقتباس الحرفي على قاعدة التماثل بين الفيلم والرواية، وبهذا يصبح بارداً وغير فاعل، بينما يتأسس الاقتباس الحر على مبدأ التفاعل بين الفيلم وأصله الأدبي، وبهذا يتخذ الفيلم «وجوده» المستقل. إن إعادة حكي رواية، مرة ثانية، يجعلها أكثر جمالاً ومتعة، لأنها تصبح، عندئذ، رواية أخرى مختلفة، وكما يؤكد رولان بارت، فإن الذين يتجنبون إعادة القراءة، يقرأون دائماً الحكاية نفسها. وحسب المخرج تروفو فإن أمام السينمائي ثلاث حالات: أن يتماثل عمل المخرج مع عمل كاتب الرواية أو أن يتماثل مع الرواية، بشكل أحسن أو يقدم بطريقة مختلفة، لكن بشكل أفضل!

إن حل هذه الإشكالية، حسب الكاتب، لا تتم إلا بمواجهة إبداعية بين «سينماتوغرافية فيلم»، تجعله فيلماً، وأدبية رواية، تجعلها رواية. وحينما تتحول علامات الرواية الأدبية إلى علامات أيقونية فيلمية، في بنية وسيط سينمائي، تنفي نفسها وتذوب في وجود الوسيط الآخر.

يهدف الباحث إلى التعريف بصيغ الاشتغال السردي للمحكي الفيلمي وتحديد صيغ طرقه، بدافع المساهمة في تأسيس مقدمات نظرية سردية في النقد العربي، وأمله في ذلك أن يصبح الاقتباس، علماً قائماً بذاته، علماً نضع قواعده الإجرائية وقوانينه الاعتبارية، لنستطيع، عندئذ، أن نمارس، حقيقة، ما نسميه «علم الاقتباس».

يستخدم الباحث مصطلح الاقتباس، لتداوله، سينمائياً، في العربية، والذي له مرادفات عدة كالترجمة والإعداد والنقل، ولعل من الأفضل أن نستعمل بدل مصطلح «الاقتباس» مصطلح «التحويل»، مسترشدين بوجهة نظر جوليا كرييستيفا، التي تعتبر مقولة التحويل، بمثابة «تحويل» مُنظم للغة من طرف لغة أخرى: تحويل من وسيط إلى وسيط آخر، وليس بمثابة نقل مدلولات جاهزة من لغة إلى أخرى. فالكلمة علامة معجمية، يسبق وجودها النص الأدبي، أما العلامة البصرية فوجودها يُبتكر خلال إنجاز العملية الفنية الخاصة.إنه كتاب نادر في المكتبة العربية، ويمكنه أن يفتح آفاقاً جديدة، أمام كل من يكتب للسينما، وأمام كل من يتعامل مع السينما ويشاهدها.

 

alzubaidi@surfeu.de

الأكثر مشاركة