أقول لكم
انتهى الصيف، وخفّت سخونة الجو التي أجبرتني على التوقف عن الكتابة، كما قلت لكم يوم الثامن والعشرين من شهر يوليو الماضي، ومن محاسن الصدف أن أعود في هذه الأيام المباركة، العشر من ذي الحجة، بكل ما تحمل من رمزية ترتكز عليها ذاكرتنا، وما ترسخ من إيمان في نفوسنا، ولأنها أفضل أيام للأعمال الصالحة أحمل قلمي من جديد وأعاود الكتابة، والكتابة بالنسبة لي هي العمل الصالح الأهم والأكبر الذي مارسته في حياتي، فهذه الكلمة الطيبة تخرج من بين معاناة الفكر، والمداد الذي يأبى أن يتخثر، رغم تراكم الأزمان وتبدلها، والكلمة الطيبة صدقة كما قال الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، فكيف إذا جاءت في هذا الوقت مع تباشير هذه الأيام والعيون شاخصة نحو تلك البقعة الطاهرة؟ حيث البيت العتيق وذكرى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، ودرس الفداء والتضحية استجابة لأوامر الخالق، عز وجل، من ترك الزوجة والابن الرضيع في وادٍ غير ذي زرع، ودعاء بأن تهفو أفئدة الناس إليه، وحتى لحظة الرؤيا والامتثال بنفس راضية للتضحية بفلذة الكبد، وصولاً إلى الافتداء ودرسه العظيم.
عندما يكون الصدق يكون العمل الصالح وتكون الكلمة الصادقة المنزهة عن كل غرض، وكما نعيش هذه الأيام لنختمها بالعيد الكبير متذكرين مكة برسلها وصنائعها، فإننا نعايش أياماً تتشابك مع الأضحى المبارك حتى نصل إلى الثاني من ديسمبر، ونقف عند التضحية الناصعة ذكراها في أذهاننا ونحن لانزال نعايش صناعها، فهذا اليوم مبارك على هذه الأرض وشعبها، حفرته إرادة الرجال يوم التقت على وحدة الصف والكلمة والمصير، وخرجت إلى الوجود دولة أبهرت الدنيا ومازالت، من قلب الصحراء أو من أعماق البحر، سيان عندنا ما يصفوننا به، وكبير عندنا ما يصنفوننا به، فهذه بصمة مهرت خرائط العالم بإنجازات رسخت المكانة وجعلتها رقماً لا يفسر لصعوبة قراءته من البعيد، أما القريب فهو يعرف كل التفاصيل وإن لم يقرأها، خصوصاً من عاشوا أحلام زايد وراشد وإخوانهما عند الانطلاق، ومن يعايشون خليفة ومحمد وإخوانهما في مرحلة التمكين، حيث تم تجاوز الأحلام، وأصبح الواقع الملموس أكبر من الأمنيات والتوقعات، فهم يرون الحقيقة ماثلة أمامهم لتحكي قصة لا تتكرر كثيراً، قصة رجال آمنوا بوحدتهم، وخلصت نياتهم لله وللوطن ولناسهم، وصدقوا وعدهم من خلال العمل الدؤوب في صمت وهدوء يغلفهما الإخلاص، فتباركت أعمالهم وازدانت الدنيا بإنجازاتهم، وحق لنا أن نحتفل بهم وكلنا فخر.