عاشت الوحدة العربية
هكذا نحن العرب، بأسنا بيننا شديد، ننتظر أي فرصة ليضرب بعضنا بعضاً، ننسى كل الروابط، ونتناسى كل شيء، ولا صوت يعلو على صوت البغضاء والكراهية لأتفه الأسباب وأصغرها.
مؤسف حقاً ما حدث بين مصر والجزائر، بين بلد الحضارة ومحور السياسة العربية الذي يحتضن جامعة الدول العربية، وبلد المليون شهيد، تبادلٌ للعنف الذي تُوج بحرق أعلام البلدين، اشتباكاتٌ وضرب متبادل، ولولا رحمة الله بهما أن جعل بينهما مسافة ودولة، لما استبعدنا إطلاقاً بدء اشتباكات بحرية وبرية وجوية، تنتهي بحرب شاملة بين البلدين.
لم يكن ذلك بسبب خلافات على حقول بترولية، كما أنها ليست أزمة دبلوماسية شديدة، ولا توجد أبداً خلافات حدودية تاريخية، ولم تسجل بين البلدين أي اعتداءات وخرق لهدنة أو اتفاقية، بل إن السبب أكبر من تلك الأشياء جميعها، إنها مباراة في كرة القدم!
شخصياً كنت أتوقع ذلك وأكثر، خصوصاً بعد أن شهدنا ميدانياً تلك الحملة التي شنها الإعلام المصري، منقاداً وراء الشارع الرياضي قبل المباراة الثانية في مصر، كانت الأمور تسير في اتجاه التعبئة العامة التي تسبق الحروب، جميع وسائل الإعلام أخذت تشحن الجماهير بصورة جنونية، أشبه بما يحدث قبل المعارك، لم تكن الأمور تسير أبداً في اتجاه مباريات الكرة، فلقد كانت جميع القنوات تبث لقطات من حروب مصر السابقة، ولحظات العبور الشهيرة، ولقطات من صور الجنود المصريين الذين يرفعون العلم المصري بعد تحرير سيناء، ولقطات أخرى من خطابات عبدالناصر والسادات، ولا أدري ما علاقة ذلك بمباراة كرة قدم!
ولا أعتقد أن الوضع في الجزائر كان مختلفاً، فالبلدان انساقا بطريقة لم يسبق لها مثيل نحو الهاوية، والمصيبة الكبرى ان كانت هذه الحادثة هي بداية علاقة العرب الكروية مستقبلاً، ترى ماذا يمكن أن نرى أكثر من ذلك؟!
لا مسوغ لما حدث، خصوصاً أن الفريق المصري تأهل مرة واحدة في العصر الحديث لنهائيات كأس العالم في عام ،1990 إضافة إلى مرة سابقة قديمة جداً في عام 1936 تقريباً، معنى ذلك أن إخفاقات التأهل مستمرة منذ عشرات السنين، فلا عجب من عدم التأهل مرة أخرى، ولا داعي للغضب، والوضع مشابه عند المنتخب الجزائري، فتاريخه يشير إلى التأهل ثلاث مرات فقط، فما المصيبة في عدم التأهل؟ والوضع العام برمته يشير في نهاية الأمر إلى «لعبة».. لعبة كرة قدم.. اسمها الرسمي كذلك!
الجميع مخطئ، والجميع مسؤول عما حدث، والجميع انساق وراء موجات الغضب من دون تفكير عقلاني ومنطقي، غابت أصوات العقل، وانساق العقلاء وراء الغوغاء، فكانت النتيجة أن رأينا ما لم نكن نتمنى أن نراه أو نسمعه!
وصلت الأمور إلى حرق الأعلام، ومحاولة الاعتداء على السفارات، ولو كان بيد الجماهير أن تمعن القتل والصلب للطرف الآخر لما تورّعت عن فعل ذلك، فهل دم العربي عند العربي سهل إلى هذا الحد؟ وهل الوحدة العربية، والقومية، وكل ما تعلمناه وقرأناه طوال السنين الماضية خديعة وكذبة كبرى؟ وهل ما حدث بين مصر والجزائر هو الوضع الصحيح المدفون في مشاعر العرب تجاه بعضهم بعضاً، ينتظرون الفرصة فقط لإظهاره علانية؟ ربما كان ذلك صحيحاً للأسف الشديد، وعاشت الوحدة العربية!