من أجل مباراة!

سالم حميد

يقول السياسي الأميركي الشهير هنري كسينجر عن منظمة الفيفا «حل مشكلة الشرق الأوسط أبسط كثيراً من حل مشكلة الفيفا!»، هذا صحيح! فلقد أدى التحول التجاري الذي انتهجته المنظمة على مدى السنوات القليلة الماضية إلى جعلها أغنى منظمة على وجه الأرض، واستبشرنا خيراً أن هذا التحول قد يقلل من حالات الإصابة ببعض الأمراض النفسية والعصبية والعضوية مثل القلب والسكر والضغط، وحماية البلدان من الانجرار نحو حروب مع دول الجوار، وخير دليل ما حدث عام 1970 عندما اندلعت حرب بين بلدين فقيرين هما الهندوراس والسلفادور سقط فيها أكثر من 30 ألف قتيل ومصاب والسبب مباراة في كرة القدم! وها هو التاريخ يعيد نفسه، اندلاع حرب إعلامية، سياسية، فنية، سينمائية، إنترنتية، اجتماعية، تسببت فيها مباراة لكرة القدم بين مصر والجزائر!

فغرفة صناعة السينما المصرية قد قررت تجميد التعامل مع الشركات الجزائرية العاملة في مجال صناعة السينما بمصر، كما أعلنت رفض أعضاء غرفة صناعة السينما المشاركة في أية اجتماعات أو مهرجانات ستقام بالجزائر، وحذرت الغرفة وناشدت جميع أعضائها عدم التعامل مع أية جهة جزائرية، فيما قال بعض الفنانين الجزائريين إنهم سيقاطعون كل الفن المصري وخصوصاً السينما والدراما والغناء، والمطربة وردة الجزائرية، لم تنجُ من هذه الحملة عندما أبدت فرحتها ومشاعرها بفوز فريق بلادها ليتّهمها الإعلام المصري بالجحود والتنكر لمصر التي دعمتها وصنعتها فنياً، أما سياسياً فوجدنا تصعيداً خطيراً باستدعاء سفراء البلدين وتصريحات إعلامية لسياسيين معروفين يتهم كل منهم الآخر بالتسبب في الأزمة.

هذه الحرب امتدت إلى الموسيقى وتحديداً الراب، حيث نظم بعض الفنانين المصريين أغاني موسيقية على طريقة الراب تتهجم على الجزائريين وتصفهم بأقبح الوصف، ليردّ الجزائريون على طريقتهم ويردوا الصاع صاعين. أما على الشبكة العنكبوتية فحدّث ولا حرج فما تشهده مواقع الدردشة والتواصل الاجتماعي هو حرب شعواء من الطرفين، حيث وصل الأمر إلى اختراقات لمواقع مصرية وجزائرية مهمة والعبث بها، وأيضا أمست الإنترنت منبراً لتوجيه السباب من كلا الطرفين.

حقيقة إنه لمخجل ما يحدث بين البلدين وبين جمهورهما، فلو أن هذه الجهود الضخمة التي بذلها الطرفان وجّهت ضد أية جهة أخرى لربما حققنا نتيجة جيدة وفورية وانتصرنا في أية قضية من قضايانا الخاسرة، لكن يبدو أننا نتفنن في معاداة بعضنا ونكون غاية في الضعف أمام الغرباء. أما أكثر ما يؤلم هو أن النخبة المثقفة من كلا الجانبين انخرطت في هذه المهزلة، وقاموا بالشحن الشعبي وصبّ الزيت على النار، ليمسوا جزءاً من المشكلة بدل أن يكونوا الحل لمثل هذه المهازل، أيضاً الإعلام لعب دوراً سيئاً من كلا الجانبين مع الأخذ بالاعتبار قوة الإعلام المصري وضخامته وقدرته الهائلة أمام الإعلام الجزائري.

مباراة لكرة القدم، تحولّت إلى حرب قذرة تشحن لها كل الطاقات والجهود! شيء مؤسف.

تويتر