أقول لكم

في هذا اليوم المبارك، حيث يقف الملايين هناك في عرفة مهللين ومكبرين، بعد أن لبوا النداء، لا يجوز لنا أن نخوض في مشكلاتنا الصغيرة وقضايانا الطارئة، نحن أيضاً قلوبنا معلقة هناك، وأرواحنا تهفو إلى أن تكون عند جبل الرحمة مع كل الذين تيسر لهم حج هذا العام، وتبقى أنظارنا شاخصة يشدها الحنين إلى مكان طاهر، لم تتكحل برؤياه منذ أمد طويل، ونغبط كل من وصل رافعاً يديه بالدعاء، لم تثنه أخبار الأمراض والأوبئة، ولم تردعه التحذيرات، ولم تمنحه حلاوة اللقاء فرصة ليضع الكمامات على وجهه، فهناك رائحة ذكية وأنفاس أذكى تختلط بالهواء منذ عصور الرجال الذين صدقوا وآمنوا وجاهدوا وعاضدوا وفازوا. هناك مشى الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وجلس وصلى وبات وتنقل من مشعر إلى آخر، يحفه صحبه الميامين رضوان الله عليهم، يوم أعلن عن تمام الرسالة، ووضعها أمانة في يد المخلصين، ودارت الدنيا وتبدلت الأحوال، وبقيت عزة هذا الدين، ومازال، كبر بأهله، وكبر أهله به، وزاد إيمان أتباعه، وانتشر في أصقاع الدنيا، وفي هذا اليوم يتوافدون، تراهم فتعرفهم بسيماهم، أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإن تبدلت الأشكال، واختلفت الألوان، وتغيرت الألسن، تسمعهم ينادون بنداء واحد «لبيك اللهم لبيك..»، ويتردد الصدى، يزلزل الأرض، يُسمع القاصى والداني، والقلوب ترجف، والعيون تدمع، والدعاء يخرج من الأفئدة نقياً بنقاء سرائرهم، من جاء من بلد آمن يطلب استمرار الأمان، ومن خرج من بين الخرائب يدعو ربه العظيم العزيز أن يرفع الكرب عن دياره، ومن يحمل الصفاء يدعو، ومن يحمل الهمّ يدعو، ومن يحمل الوزر يدعو، ومن نظفت أعماله يدعو، ومن ظلم يدعو، والمظلوم بالقرب منه أيضاً يدعو، وصاحب المال يذرف الدمع هناك، وصاحب الحاجة يواسيه بدعاء يهز الأبدان من وقعه، والمرأة والطفل والكهل والشاب، كلهم يدعون فرحين لأنهم وصلوا إلى ذلك المكان المبارك وإن دمعت عيونهم.

إلى هناك، إلى جبل الرحمة بالمشاعر المقدسة، في أحضان الكعبة ومنى وعرفة ومزدلفة والجمرات، نتطلع جميعاً، وندعو ربنا جل جلاله أن يعز الإسلام، ويرفع الغمة عن المسلمين، ويبارك في كل المخلصين.

myousef_1@yahoo.com

 

الأكثر مشاركة