التباين الاقتصادي بين دول مجلس التعاون
يشكل التباين الاقتصادي، بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، تحدياً آخر أمام مسيرة العمل الاقتصادي، لاسيما في ظل عدم السعي الجاد لمواجهة هذا التباين، الذي يشكل عقبة أساسية في تحقيق اتحاد اقتصادي بين الدول الأعضاء.
ففي وقت تسجل فيه دولة قطر، التي تعتمد بشكل كبير على صادراتها من الغاز والنفط، معدل نمو بلغ نهاية عام 2007 نحو 25.1٪، فيما يعتبر اقتصادها محدودا من حيث قاعدته الإنتاجية ومقوماته الأساسية، نجد أن معدل النمو في إجمالي الناتج المحلي حسب النشاط الاقتصادي، لم يتجاوز في اقتصاد السعودية 7.1٪، الذي يعتبر أكبر الاقتصادات العربية، فضلاً عن دول المنطقة، وهو أقل معدلات النمو في اقتصادات المنطقة، على الرغم من أن حجمه بلغ عام 2007 نحو 381.5 مليارات دولار، مقابل 71 مليار دولار هو إجمالي الناتج المحلي لقطر.
من ناحية أخرى، فإن التباين يتضح أيضاً من خلال المؤشرات الاقتصادية الأخرى، مثل نسبة نمو القطاع غير النفطي لدول المجلس، الذي بلغ العام الماضي نحو 8.5٪، سجلت الإمارات والبحرين أعلى معدل نمو فيه، إذ بلغ 9.2٪ في كلتا الدولتين، فيما لم يتجاوز معدل النمو في اقتصاد السعودية 6.4٪.
ويتضح التباين، كذلك، في مؤشرات التضخم، الذي يسجل في قطر ارتفاعاً كبيراً بلغ نحو 15٪ وفقاً للبيانات الرسمية عام ،2008 فيما لم يتجاوز معدل التضخم في السعودية 5٪، وفقاً للأرقام الرسمية. كما أن حجم السيولة في دول المجلس، وحجم العجز أو الفائض في الموازنات الحكومية يسجل تبايناً واضحاً، فضلاً عن التباين في الرؤى والاستراتيجيات الاقتصادية، والسياسات الاقتصادية الداخلية، ثم في طبيعة العلاقات التجارية والاقتصادية وحتى السياسية، بين كل دولة من الدول الأعضاء مع مختلف دول العالم، لاسيما الدول المؤثرة اقتصادياً وسياسياً.
إن تلك التباينات في السياسـات الاقتصـادية، والـرؤى والاسـتراتيجيات، فضلاً عن التباين في الأنظمة والتشريعات، تشكل تعطيلاً لمسيرة العمل الاقتصادي المشترك، وتجعل التساؤلات مطروحة ومفتوحة حول مستقبل اقتصادات دول المنطقة، في ظل منظومة دول المجلس. فلاتزال هناك عقبات حقيقية أمام حركة التجارة البينية بين الدول الأعضاء في المجلس، رغم إقرار الاتحاد الجمركي بين الدول الأعضاء منذ مارس ،2003 حيث لم يتجاوز حجم التجارة البينية الـ8.8٪، فيما وصل حجم التجارة البينية بين دول الاتحاد الأوروبي إلى نحو 60٪.
ولاتزال هناك عقبات تعيق حركة الاستثمار، وانسيابية رؤوس الأموال والسلع والبضائع، وانتقال الأيدي العاملة المواطنة بين الدول الأعضاء، وممارسة الأنشطة الاقتصادية والتـــجارية، وهذه متطـــلبات رئيسة نص عليها قرار الإعلان عن السوق الخلــيجية المشتركة في ديسمبر .2007
وما لم تدرك دول المجلس أهمية إزالة كل تلك العقبات، وتعمل من خلال أجهزتها التنفيذية على إلغائها، فإن تحديات كـل دول المجلس قاطبـة ستـزداد.