العيد والجمعة

من نوادر الدهر أن يجتمع في يوم واحد عيدان كما في هذا اليوم المبارك، يوم عيد الأضحى، ويوم الجمعة الأغر، كلاهما عيدنا معشر المسلمين؛ لما مَن الله تعالى به علينا من جلائل النعم ودقائقها،تستحق أن تقابل بالشكر والذكر والفرح بنعمة الله ومنّته،فرادى وجماعات، ولكل عيد وظيفته الشرعية لا يزاحم أحدهما الآخر، إلا من حيث نوع طلب الشارع لها بين الندب والوجوب، فصلاة الجمعة وخطبتها فريضة وصلاة العيد وخطبتها نافلة، فلا يقضي النفل على الفرض عند جمهور أهل العلم، فإن الله تعالى يقول: {يَا أَيهَا الذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، والأمر للوجوب لكل مسلم بالغ عاقل ذكر صحيح مقيم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «رواح الجمعة واجب على كل مسلم».

وكل ذلك بخلاف صلاة العيد وخطبته فإنها من آكد السنن - أي أنه يُثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها - أو هي فرض كفاية على المجموع على قول آخر، بحيث إذا فعلها البعض رفع الحرج عن الآخرين.

وبناءً على ذلك فإنه لا يسوغ لأحد أن يسمع نداء الجمعة وهو من أهل الوجوب ثم لا يلبي داعي الله، فإن الجمعة على من سمع النداء.

نعم قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون»، إلا أن هذا محمول على من كان من أهل البادية ممن يشق عليهم الرجوع إلى المدينة لحضور الجمعة ثانية، كما حمله عليه الشافعية، لأنه ورد في حق أهل العالية الذين حضروا مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد، فرفق بهم وقال: «من أحب منكم أن يشهد معنا صلاة الجمعة فليشهد، ومن أحب أن يصلي في أهله فليصل» فلم يمنعهم من العود، بل جعل الأمر خِيَرة لهم؛ تخفيفاً عليهم من تحمل مشقة عناء العود من باديتهم، إذلم تكن تقام لديهم جمعة، فإن أقيمت الجمعة لديهم كما في أحوال بوادينا اليوم، فإنه لا عذر لهم في ترك فريضة الوقت، وهي صلاة الجمعة التي هي حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي أو مريض»، كما ورد.

وقد توسع السادة الحنابلة في هذه المسألة فرأوا سقوط وجوب الجمعة - لا عدم صحتها - عمن حضر صلاة العيد، أخذاً بظاهر النص السابق في الترخيص لأهل العالية، فقاسوا عليهم غيرهم ممن صلى الجمعة عموماً، إلا أنهم مع ذلك يرون وجوب إقامة الجمعة في المسجد، وأنه يتعين على الإمام أن يجمّع بمن حضر، حتى لا يسقط فرض الوقت، وإنما قال الحنابلة ذلك قياساً على سقوطها عن ذوي الأعذار.

أما صلاة الظهر فلا خلاف بين أهل العلم في وجوبها لمن كان معذوراً عن صلاة الجمعة لأي سبب كان، لأن العلّة التي تسقط بها الجمعة عند القائلين بها، وهي مشقة العود، أو حصول التذكير، لا تتحقق في إسقاط صلاة الظهر؛ لذلك لم يقل بسقوطه أحد من أهل العلم المعتبرين. والله تعالى أعلم.

❊ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

الأكثر مشاركة