أقول لكم
الإسلام ليس مئذنة، وإن كانت المئذنة تمثل رمزاً أو دلالة على المسجد، فإنها لا تزيد على ذلك أبداً، ليست هي الرابط ولن تكون كذلك، سواء عانقت السماء طولاً أو قصرت، زُيّنت بالنقوش والألوان، أم كانت بيضاء، طوّقتها الأضواء أو حوتها ظلمة الليل، هي ليست أكثر من حجارة، ودين الإسلام جاء ليزيل النصب الحجرية رمز الباطل، ونحن اليوم لن نتباهى باسم الحق على الحجارة.
المسلم يعبد الله الواحد الأحد الذي لا إله غيره، ولا يدخل في عقيدته ما يطلقون عليه هناك في الغرب رموزاً دينية، مسجده أرض الله الواسعة يفترشها متى حان وقت الصلاة، ووجهته قبلة يعرفها بقلبه، لا بمحراب وبضع إشارات، وإيمانه لا يكون بقطعة قماش تغطي الوجه أو الرأس، فمن منهم يستطيع أن يمنع القلب من العبادة؟ ومن منهم يقدر على اختراق العقل ليزيل القناعة الراسخة بالتوحيد على دين الحق؟ ومن منهم يستطيع أن يجعل من الاستفتاءات حاجزاً بين الدعاء والسماء؟
إنهم أحرار في بلدانهم، نعم، لهم الحق في السماح ببناء المآذن أو منعها في سويسرا، ولهم الحق في السماح بإقامة المساجد، أو رفض طلبات الجاليات المسلمة، ولهم الحق في أن يفرضوا شروطهم على من يقيم عندهم، ولكنهم سيبقون فاقدين لحق لا يملكونه، حق الناس في اعتناق ما اهتدوا إليه من دين، ولأتباع هذا الدين حق في العبادة متى أرادوا وأين أرادوا، فهنا تتوقف حريتهم، وتبدأ حرية الاختيار الشخصية كالتي تفاخروا بها كثيراً، وكذبوا في نظرياتهم وأدبياتهم كثيراً، والنتيجة أصبحت واضحة، فلا هم قادرون على جعل الناس يسيرون على هواهم، ولا هم فالحون في كل ما مارسوا من حروب عسكرية وثقافية في نزع الإيمان من القلوب. وليتهم يتّعظون من تجاربهم عبر التاريخ، ويتعلمون أن صراع الأديان لا يولّد غير الحقد، وقرارهم الأخير حول المآذن يزيد الهوّة، ويسقط كل مبرّرات التقاء الحضارات الذي يتغنون به. ولو كانت سويسرا عادلة لما ذهبت إلى الحجارة، وهي المتفاخرة بالحجارة المنتصبة في كل زاوية من زواياها وفي قمم الجبال، ولو كانت سويسرا تعرف القراءة، لعلمت أن الإسلام لم يكن في يوم من الأيام متعلقاً ببناء أو شكل دار عبادة أو نوعية النقوش التي عليها، ولكن الأمّية حكمت أهل سويسرا!