الحاجة الجمالية

هل الحاجة الجمالية جمعية أم فردية؟ وهل هي متغيرة أم ثابتة؟ وهل ثمة معايير وقوانين تتحكم فيها؟

هذه أسئلة لابد منها ونحن نطالع هذه المقالات والكتابات التي تستنكر ولع الناس بالمسلسلات المدبلجة، حيث نتعامل مع شكل فني في المقام الرئيس.

لا يمكن القول إن الحاجة الجمالية جمعية خالصة، أو فردية خالصة. ولا يمكن القول أيضاً إن هذه الحاجة ثابتة وراسخة، وإلا لما تغيرت الفنون وأشكال التعبير الجمالية عبر العصور، لكننا نحذر هنا من الوقوع في شَرك الايديولوجيا أياً كانت. وعلى سبيل المثال، فإن الحاجة الجمالية في دراسات كثير من الماركسيين والأنثروبولوجيين التقليديين، هي حاجة وظيفية في المقام الرئيس، أي أن الأنواع الجمالية يتم خلقها لأداء دور اقتصادي أو اجتماعي. ويستدل على ذلك من رسومات الكهوف القديمة، التي كانت الجماعة بحاجة إليها للتجسيم، الرامي إلى التدريب الروحي، والتشجيع النفسي على صيد الحيوانات التي يتم رسمها. وإذا كانت الفنون في السابق إنتاجاً يؤدي دوراً وظيفياً محدداً، كرسومات الكنائس والأيقونات والتماثيل، فإن هذا لا يعني أن النحت الفني الحديث يؤدي الدور نفسه. وإذا كانت الجماعات أو القادة في عصر ما ـ الأب والشامان والساحر والطقسي الميثولوجي ـ هم الذين يحددون حاجة الجماعة إلى هذه المنتجات الجمالية لتأدية وظيفة محددة، فإن الأمور لم تعد كذلك بعد أن تمكنت الفنون من تكوين شخصياتها المستقلة.

على أنه ينبغي لنا الإقرار بقوة الهيمنة التي تمثلها وسائل الإعلام، خصوصاً المرئية منها، في تسويق أشكال جمالية على حساب أخرى، حيث تغدو هذه الأشكال حاجة جمالية جمعية.

إن شيوع الأغنية الشعبية العربية منذ أحمد عدوية مثلاً، لم يكن يمثل حاجة جمالية جماهيرية، ولكن هذا الشكل الجمالي وجد له صدى بين الجماهير التي اعتادت أغنيات الحفلات المنظمة والأنيقة، كما كانت الحال مع أم كلثوم. كما أن هذه الأغنية الشعبية خرجت في خطابها عن السائد المألوف، وانتقلت إلى مجالات لم تكن تخطر على بال الأغنية العربية من قبل، كالحديث عن الزحام في المدينة مثلاً، والحديث عن الحب بلغة أكثر قرباً من الأوساط الشعبية. ولكننا رأينا كيف تغيرت الأغنية العربية بعد ذلك، وأصبحت مع التمدد الإعلامي الهائل، تقترب من الجسد مباشرة، سواء كان ذلك في الكلمات أم الإيحاءات والحركات والإيماءات المصاحبة للأغنية. فهل هذا يعني أن الجسد اكتشاف عربي جديد، أم أن التعبير عنه أصبح متاحاً في الأغنية والقصيدة والقصة والرواية، بعد أغنيات الهيام والشوق والوله المَرَضي، وبعد أدب(الوسادات الخاليات)؟

لقد أتاح انتشار القنوات الفضائية فرصة للأبناء لمشاهدة ما كان محرماً من قبل، حين كانت المسلسلات العربية والأفلام في الستينات حكراً على الآباء والكبار، خصوصاً ونحن نتذكر أن القنوات العربية كانت مضطرة لعرض هذه المسلسلات والأفلام في أوقات متأخرة.

لم تتغير الحاجة الجمالية في المجتمعات العربية، ولكن منظومة القيم والأخلاق هي التي انفتحت بعد إغلاقها على مجموعة من القيم الصارمة وقتاً طويلاً. وربما يجدر القول إن هذا الانفتاح كان قسرياً في جزء كبير منه، وهو انفتاح فرضته الصيرورة الاجتماعية النافذة، التي لا يعوقها أي قيد على هذه الأرض.

الأكثر مشاركة