تفسير الأحلام
هل المرأة العربية أكثر اهتماماً من الرجل بتفسير الأحلام، وإلى ماذا يشير هذا الاهتمام؟ وهل يستطيع أي إنسان أن يعمل «مفسر أحلام»، باعتبار ذلك «مهنة» تدر اموالاً طائلة في مقابل بعض كلمات قد تزيد الحلم تعقيداً، أو قد تسبب لصاحب الحلم قلقاً إضافياً هو في غنى عنه؟
هذه «المهنة» العجيبة ازداد رواجها وترويجها، خصوصاً مع الانتشار الواسع والكبير للقنوات الإذاعية والفضائية، حتى إن بعضها تخصص في هذا النوع من التلاعب بالعقول والجيوب والعواطف.
صحيح أن الحلم في أثناء النوم، أو اليقظة، يعتبر نصاً يمكن تأويله، مثل أي نص أدبي أو فني، لأنه نتاج الخيال، وهو كامن في طبقات من اللاشعور، كما يوضح علماء نفس. فالحلم عالم من الإشارات والعلامات والرموز والصور، وهو بذلك قابل لكثير من التأويلات، ولكن قراءة الحلم تقوم على منهج يتبعه عالم النفس، ليسبر جوانب من معانيه. وليس أي شخص يقف خلف ميكرفون أو كاميرا تلفزيونية.
الحلم عالم شديد الغموض، لذلك، يحتاج تفكيك رموزه وإشاراته إلى علم، وليس إلى دجل واحتيال، يحتاج إلى عالم وليس إلى دجال، كما يحدث في أيامنا هذه، إذ يتبجح اشخاص كثر ويقدمون أنفسهم باعتبارهم «خبراء» في بواطن النفس البشرية، وهم بذلك يستغلون تلهف الناس لمحاولة معرفة معنى من معاني حلم راودهم في ليل.
وما لفت انتباهي أن غالبية المستفسرين عن الأحلام في البرامج الإذاعية والتلفزيونية، هن من النساء. فاذا حلمت فتاة أو امرأة حلماً، تفتح عينيها صباحاً، وهي تستعيد صور ذلك الحلم، وتحاول الاقتراب من أي معنى له، ثم سرعان ما تعقد جلسة صباحية للجارات، كل واحدة تروي حلماً راودها، وكل واحدة تدلي بدلوها في تفاسير مختلفة، فمنهن من تبشر برزق وفير، ومنهن من تحذر من مرض أو أزمة، أو تشير إلى موت.
وبعد هذا «المؤتمر» الصباحي للجارات، تأتي مرحلة الاستفسار عبر الإذاعات والفضائيات، وفي كل منها شخص «جاهز» لأي سؤال ولأي حلم، كما لو أنه، قد «يتنحنح» قبل أن «يتبجح» بادعاءاته. وتراه يعلق بسرعة على كل حلم، كما لو أنه يقرأ في كتاب. والغريب في الأمر، أنه يلقي بادّعاءاته بكل ثقة، ولا يعجزه أي حلم، مهما كان، فالجواب بين شفتيه على الدوام، فهو «مفسر جاهز» يقدم «وجبات سريعة» للمتصلين. مرة يبشر فتاة بزواج قريب، ومرة ينبّه أخرى من صديقات لها، ومرة ثالثة يدّعي أن رزقاً وفيراً في الطريق إلى أخرى، ومرة يطلب من امرأة أن تعمل «رقية»، مدّعياً أنها واقعة تحت تأثير سحر، ومرة يبشر حاملاً بمولود ذكر، وأحياناً يشير إلى جنازة قريبة تمر من باب فتاة.
هكذا، لا يتوقف البعض عن الدجل والتلاعب بحياة وعقول الآخرين، وفي النتيجة، يتسلم مبلغاً من المال، نظير هذر لا غير، وتزداد نسبة مشاهدة القناة الفضائية، وتزداد الحصيلة المالية للرسائل القصيرة. وربما تحتدم المنافسة في «سوق الدجل» إلى حد تحاول فيه فضائية استقطاب «خبير الأحلام» لتنال حصة من أموال الرسائل القصيرة، وفي الوقت ذاته، تتوسع شريحة «الضحايا»، لأن في ذلك حياة لتلك الفضائية أو الإذاعة التي تعمل على «تسويق الوهم» وتعميم الجهل.