أقول لكم
الأمثال «ما تأكل عيش»، ولهذا كان ولايزال غالبية الأقوياء والمؤثرين يحرفون ذلك المثل الذي استشهدنا به يوم أمس، فهم يريدون الغنى مع الصيت، عفواً، يبدو أنني استخدمت لفظاً «يودي في داهية»، فقد قلت «غالبية»، وتداركاً لأي لغط، وتحسباً للظروف، دعوني أصحح عبارتي وأقول لكم إن «بعض»، وهي أخف وطأة على النفوس، السليمة والمريضة، لأنها ـ أي النفوس ـ هي التي تقود في كثير من الأحيان، وهي التي تلح على أصحابها دوماً، بالخير أو الشر، أما في موضوعنا فهي توجه نحو اتجاه واحد أوصل ذلك البعض إلى أن يطلبوا الغنى مع الصيت، بعد أن وجدوا أنفسهم في مواقع تسمح لهم بذلك، بينما ما يتقاضونه مقابل المنصب والوظيفة العليا المستحقة بعد عناء طويل لا يلبي الالتزامات المترتبة عليهم، ومن خلال مئات الأسماء والشخصيات التي مرت علينا نرى أن «البعض القليل» فقط من أصحاب القوة والتأثير في المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية لم يخرجوا إلا «ببياض الوجه»، وهم أنفسهم الذين يشار إليهم بالبنان كما يقال، فإذا ذُكرت الأمانة ذُكروا، وإذا وزنت السمعة رجحت كفتهم، ولكن ذلك البعض الآخر كان له تفسير آخر، وهو بعض كثير، لاحظوا كيف أهرب من مسؤولية التعميم، وهو البعض نفسه الذي وضع نصب عينيه المصلحة الذاتية شعاراً يتوجب أن يكون ضمن الأولويات، وبعدها «يصير خير» وتستمر المسيرة، وهو أيضاً من وضع «التبريرات»، وفلسفها بحسب رغبته واتجاهات نفسه اللوامة اللحوحة، وأعطتنا الشواهد صوراً لا تحتاج إلى كثير عناء حتى نقرأ تفاصيلها، فالرفاهية غير المتطابقة مع الدخل ظاهرة للعيان، والانتفاخ غير الطبيعي واضح وضوح الشمس، ومع هذا كان الصمت هو الحل، صمت الأجهزة المعنية، فتركت أصحاب القوة والنفوذ ضحايا لضمائرهم فقط، من قرر أن يُحكمه يتحمل النتيجة ويعش ببضعة آلاف بعد سنين من الخدمة والعطاء والتضحية مع «مشكور وما قصرت»، ومن قرر أن يمنح ضميره إجازة طويلة الأمد، وجعل المنصب وسيلة لاستقطاب المنافع يتضخم ويدخل في قائمة الأكثر ثراءً!