البديل يزيح النزيل
مرّ آخر يوم من العام الهجري المنصرم بصمت المستحي، ودخل أول يوم من العام الجديد ماشياً على رأس أصابع القدمين. وانقضت ذكرى الهجرة النبوية الشريفة بهدوء لم يكن الوقار عنوانه وإنما التهميش وارتفاع حدّة ضوضاء المحيطين به، المستعدين لقدوم عام جديد من نوع آخر، واحتفالات بأعياد فرضت صورها ورموزها على كل تفاصيل حياتنا لتكون جزءاً من ألعاب أطفالنا، ومشتروات شبابنا وهدايا فتياتنا. إنه صوت «البيزنس» عالي النبرة عندما تتسلل من خلال موجاته الحادة معاني «حشر مع الناس عيد» بحذافيرها ودقة معناها وحدّة حروفها. فقد صار كل شيء في حياتنا حشر مع «حشرة»، وحشرة المراكز التجارية ومحالّها العالمية ومقاهيها المعولمة تطغى على كل الأصوات الطبيعية، وتحجب كل المشاهد الجميلة الأخرى. و«حشرة» الفنادق ولياليها الملاح، وحفلاتها الساهرة، ونجومها المبهرة أقوى من همس الاحتفال التقليدي السنوي بالهجرة النبوية، وأسرع وصولاً من «مسجات» التبريكات الهاتفية. فالزمن زمن صخب وضوضاء و«حشرة» في التعبير عن الفرح كما في الحزن، وفي الشراء كما في البيع. وكلمة احتفال صارت توأم الصخب وصنو الضجيج ومرادفاً لكل ما هو ضد السكينة والتأمل والبحث في سجلات العمل والنظر في ما بقي من الأجل. ذهبت ذكرى الهجرة الشريفة هذا العام بمزيد من التجاهل والنسيان لأنها لم تتكرم علينا بإجازة نفر بها من دوام نداوم فيه على التثاؤب، ومرّت الذكرى خاطفة لتخلي الطريق سريعاً أمام ذكرى «الكريسماس» وأعياد ميلاد لم يتم الاتفاق على موعدها، وتترك الناس هنا يعيشون مع «بابا نويل»، ويتخيلون بصحبته وتحت ظل شجرته حبات الثلج وهي تهطل في طقس تزيد حرارته على 20 درجة مئوية. فهو الوهم الذي يحاول أن يزيح الحقيقة، والبديل الذي يعمل على طرد النزيل. هي العولمة التي تعمل على تحطيم كل الخطوط حتى لا يبقى من اتجاهات الأرض الأربعة غير اتجاه واحد أينما ييمم الإنسان وجهه لا يجد غير الغرب اتجاهاً.