طرائف عربية

كل ما يمنع العربُ نشرَه تحتفي به شبكة الإنترنت، وتبثه في عالم لا محدود، وتجعل من الحظر حدثاً قديماً لا مبرر له، وتجعل من قوانين الطباعة والنشر الراسخة في بلاد العرب مجرد طرائف، قد تكون صالحة في يوم من الأيام للتندر بين مراهقين يتخاطبون عبر موقع «فيس بوك».. مثلاً.

المنع لم يصمد طويلاً، ولم ينجح في يوم من الأيام، لكنّ أحداً في العالم الثالث لا يتعظ، وما بثته شبكة الإنترنت من صور وأحداث عن الانتخابات الإيرانية الأخيرة، يجعل من حكاية النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، لكي لا يراها أحد، رمزاً لمن يتوهم أن الكرة الأرضية ثابتة، وأن العبث بعقول الناس أمر ممكن.

الشبكة الحرة تقول لك، بكل صراحة، إن «المخفي أعظم»، وخصوصاً إذا كان هذا المخفي عربياً مقيداً ومقنناً وممنوعاً، وما عليك سوى أن تلجأ إلى أي محرك بحث أو موقع مثل «يوتيوب»، لتشاهد ما حذفته الرقابة العربية، التي لاتزال فاعلة وعاملة، وترفض الاستقالة من هذا الدور البدائي.

في الأسابيع القليلة الماضية، شاهدت مع كثيرين مقطع فيديو محذوفاً من وسائل الإعلام في دولة عربية، المقطع يسجل كارثة طبيعية حلّت بمدينة عربية. لم أجد سبباً للحذف، فقد كانت المشاهد تروي انتشال رجال الإنقاذ جثثاً وضحايا من الكارثة، ولاحظت أن أكثر من مليون شخص شاهد المقطع، في حين كانت الرقابة تظن أن بإمكانها دفن الصورة، وما تخفيه من عيوب وانهيارات كثيرة.

وصلني أيضاً، مع غيري، عبر البريد الإلكتروني مقطع فيديو عن رئيس وزراء عربي يتلو خطاباً أمام البرلمان، ولا يكاد يستطيع إنهاء جملة عربية، من دون خطأ في القراءة، أو نطق الحروف والكلمات من دون عثرة نحوية، وشاهده كذلك الملايين، ولا أحد يعرف سبباً لحذف المقطع من النشرات الإخبارية، فرئيس الوزراء منصب سياسي، ولا أحد يطالبه بأن يكون سيبويه.

الغرائب الرقابية كثيرة، وأعرف دولة في العالم الثالث لاتزال تفتح الرسائل البريدية الورقية بالبخار، أي أن المسؤولين في البريد يستعرضون أكياس الرسائل، ويختارون من يشكون في أمره، فيعمدون إلى تعريض المغلف لبخار الماء، فيطلعون بذكاء يُحسدون عليه على المحتوى، ومن ثَم يقررون السماح بمرور المغلف أو إتلافه. وفي سياق الذكاء، يصرّ العرب، ومعهم فريق من العالم القديم، على وسيلة متطورة من وسائل البخار، فهم الأكثر استخداماً لتقنية «البروكسي» في الحجب والمنع، وهذه التقنية عمياء جداً، إلى الحد أنها تمنع قراءة معلومات أو مطالعة صور عن سرطان الثدي مثلاً، لأن مبرمج «البروكسي» يعتبر ذلك موضوعاً جنسياً.

هذه طرائف عربية، وقد حدثت تماماً في واقع محزن لا يقوى على الضحك إلا على نفسه، ويصمم على الإمساك جيداً بأدوات قديمة، وهو لا يتطور أبداً، إلا بمقدار ما يخترع من وسائل تتكيف مع الحظر والمنع. تحول مقص الرقيب التقليدي من فولاذ مصقول إلى «كيبورد» يتصل بكمبيوتر، وتحول بخار الماء المتصاعد إلى «بروكسي» شديد العماء.

ولكن، لا جدوى من ذلك كله، فالأفق أشد رحابة من احتمال القيود، والشبكة الحرة تأتينا بالمحذوف والمقموع.. ودرس الديناصور في التطور لايزال قاسياً على من لا يتعظ، ويصرّ على الانقراض.

baselraf@gmail.com

الأكثر مشاركة