نفثةُ مصدور وأنة مبتور

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

ليس غريبا ما واجهته وتواجهه «دبي» الأبية من شائعات مغرضة، ودعايات داحضة، فذلك هو شأن أصحاب الهمم العالية والطموحات الخارقة، «وإنما الكامل من يُحسد»، فدبي الحضارة، ودبي الثقافة، ودبي المال، ودبي الأعمال، ودبي القيم، ودبي الصناعة، ودبي الأمن، ودبي الرقي، ودبي التميز، ودبي السماحة... لا جرم ستجد ألف حاسد وحاسد؛ فهذه سنة البشر العاجزين

مُحسدون وشر الناس منزلة من عاش في الناس يوما غير محسود

فما قيمة الحياة التي لا تتعب من يبحث عن عيوبها، تلك حياة التعساء التي ملها أصحابها، وهانت على أعدائها، فلا يشار إليها بالبنان، ولا يسأل عنها إنسان، تلك هي حالة كثير من البلدان التي تأتي منها الشائعات، تريد أن تُشفي غليلها من هذه الإمارة التي سابقت الزمن، وطاولت الجبال الشامخة، وأثبتت جدارتها حتى غدت أعجوبة الدنيا بلا منافس، فلا غرابة إذن أن يقال فيها ما لم يقله مالك في الخمر، وكما قال الشاعر:

كشقائق الحسناء قلنا لوجهها حسدا وبغيا إنه لذميم

يقلن ذلك لا لشيء إلا لأنها فاقتهن جمالا وكمالا، فكان لابد أن يبحثوا عن زلة فما أن يسمعوا بها إلا طاروا بها فرحا، كشأن الحساد الذين يتميزون من الغيظ ثم يموتون به، وهذا شأن الناقصين الذين يودون أن يكون الناس مثلهم، فلا عتب عليهم، فكل إناء بالذي فيه ينضح، ولعل في ذلك خيرا كثيرا!

وإذا أراد اللـه نشــر فضــلةٍ طُويــت أتاح لها لســـان حسودِ

لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورت ما كان يُعرف طيبُ عرف العود

لكننا نقول: إن دبي العِصامية لا تبالي بما يقال؛ لأنها تعرف أن ذلك هو ضريبة النجاح الذي نالته وتسعى للمزيد منه، فالشجرة المثمرة تتعرض للحجارة، لعل ثمارها تتساقط ليأكل منها الهلكى والصرعاء

فكم على الأرض من خضرا ويابسةٍ وليس يُرجم إلا ما له ثمرُ

وفي السماء نجومٌ لا عِداد لها وليس يخسف إلا الشمس والقمرُ

فضريبة النجاح وإن كانت قاسية إلا أنها تولد الفتوة، وتشد العزم على الثبات، وتُفعل الأخلاق في رحمة الموتورين، وتجعل عالي الهمة أكثر ثباتا ووثوقا بنفسه. لا ريب فها هي زوبعة الأزمة المزعومة تنقشع كسحابة صيف، فهذه العاصمة الحانية تملأ «دبي العالمية» حنانا ودفئا، وتقول بلسان الحال: لن يخزيك الله أبدا، ففعالك البيضاء تقي مصارع السوء، وشماتة الحمقاء تنقلب خاسئة وهي حسير، وما هذا العطف إلا تقصير لحبل الشماتة، وإخراس لمشيعي السوء، وإلا فإن ما جرى لا يعدو أن يكون أمرا اعتياديا لدى الشركات الكبرى والبنوك المثلى، ناهيك عن الدول العظمى، يعرف ذلك العامة فضلا عن الاقتصاديين، فما كان من داع من قريب أو بعيد لأن يَنبِسوا عنه ببنت شَفة، لاسيما مع الملاءة الكاملة لـ«دبي العالمية» وأخواتها، ولولا أن الأمر اعتيادي في الأعراف الاقتصادية لما أقدمت تلك المجموعة الطموح إلى تأجيل المديونية، ولكن لله حكمة، وعزاؤها: أن كل ذي نعمة محسود، فلتوطد نفسها لمثل ذلك؛ لتكون محط الأنظار، وإعجاب الكبار والصغار!

محسدون على ما كان من نعمٍ لا ينزع الله عنهم ما له حسدوا

❊كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

تويتر