نظرية المؤامرة

يحلو لنا جميعاً مستثمرين عرباً، تبرير إخفاقاتنا وعدم قدرتنا على اتخاذ القرارات الاستثمارية الصائبة بـ «نظرية المؤامرة»، فنادراً ما يوجد المستثمر الذي يقرّ بأنه أهمل أو تقاعس فخسر، وغالباً ما يكون التبرير الأسهل لخسارتنا بإلقاء التهمة على الآخرين، والادعاء بأن هناك مؤامرة تحاك ضدنا.

وفي جميع أسواق الأسهم العربية، دائماً ما يخسر المستثمر الصغير الذي دخل «البورصة» ليقامر، فإذا ربح كانت عبقريته وأسلوبه الاستثماري الفريد هما سبب الربح، أما إذا خسر فهناك العذر الذي يمكن تحميله لفئة «الهوامير»، أو«الكبار»، أو «الحيتان»، والغريب في الأمر أن لا أحد حتى الآن يعرف من هم أعضاء هذه «الفئة المتآمرة» تحديداً، حتى المستثمر الخاسر نفسه، والذي إذا سألته عنهم أشاح بوجهه عنك، مدعياً أنه يعرفهم لكنه يخشى البوح بأسمائهم.

وإذا اشترى مستثمر خليجي ما سهماً في شركة أو بنك معين، ثم انخفض سعر هذا السهم إلى أقل من «عُشر» سعر الشراء، كان المبرر الأسهل وجود نظرية مؤامرة، أو كذب، أو احتيال، حتى لو كان هناك مستثمر خليجي آخر ربح عائداً 30٪، أو أكثر مثلاً من تداول السهم ذاته بيعاً وشراء.

ودائماً ما يتجاهل هذا المستثمر الاعتراف بأنه اشترى السهم في توقيت خاطئ، وبسعر مرتفع، وأن خسارة السهم نحو 85٪ من قيمته بعد الشراء، لم يكن تقصيراً منه أو خلافاً لما فعله المستثمر الآخر الذي درس جيداً فربح.

وأعرف مديراً في بنك عربي كبير استثمر مبلغاً من خانة «الستة أصفار» في صندوق استثماري أجنبي، وأصبحت قيمة استثماراته حالياً صفراً (من دون مبالغة)، بعد إصراره على البقاء في الصندوق بعد إعادة هيكلته. وبدلاً من أن يقرّ المدير الكبير بأنه أخطأ عندما استثمر في صندوق لمجرد أن إدارته أكدت له أن الاستثمار موثوق، ويتمتع بدرجة عالية من الصدقية، وبدلاً من أن يعترف بأنه لم يدرس الأصول التي اشتراها الصندوق، ثم اتضح أنها رديئة وعالية المخاطر، اكتفى كالعادة بالقول إن هناك مؤامرة واحتيالاً، وألقى بالكرة في ملعب الآخرين حتى من دون أن يسأل نفسه عن الشخص الذي منح «النصّاب» فرصة ذهبية لكي يحتال عليه، ولماذا اختاره هو بالتحديد كي يحتال عليه؟، إلا لكونه جاهلاً وغير مؤهل لإدارة الاستثمارات.

وحتى كبار المستثمرين، دائماً ما يستسهلون نظرية المؤامرة، فإذا ما اشترى مستثمر شركة في دولة أجنبية في وقت بلغت فيه السوق القمة، وكانت الأسعار في ذروتها بعد خمس سنوات من النمو القوي، فلا يمكن لوم المستثمر إذا ما أعلنت الشركة إفلاسها بعد ذلك، ولا يهم إن ضاع مليون أو مليار دولار تم سدادها نقداً، لأن المستثمر الكبير لا يخطئ ولا يُحاسَب، والعيب على نظرية المؤامرة التي وضعت في طريقه المحتالين الذين تآمروا عليه، وسقوه «حاجة صفرا» وجعلوه يوقع عقد شراء الشركة المفلسة بأعلى سعر.

hnaby11@gmail.com

الأكثر مشاركة