2010

علي العامري

الآن يتهيأ الناس في العالم كله لوداع عام واستقبال آخر. وفي مثل هذه المناسبة السنوية، تنطلق التنبؤات والتوقعات والأحلام للعام الجديد. سيكون الخميس اليوم الأخير في عام يلملم أغراضه وأفراحه وأحزانه في صرة واحدة يضعها على كتفه ويمضي ليسكن الذاكرة.

في اليوم الأخير من السنة تتزين الأرض ليس لوداع عام ،2009 لكن لاستقبال 2010 الذي يطل من عتبة الزمان، مثل طفل يترقب حفلاً لعيد ميلاده، يراقب أهله وهم منهمكون في تزيين كعكة العيد ونفخ البالونات الملونة وتجهيز هدية يأخذ تغليفها وقتاً طويلاً، بينما فتحها لا يستغرق لحظة واحدة. وهكذا يقف العام الجديد ينظر من ثقب الباب ليخرج إلى العلن، لكنه يرى كل ما يحشده الناس من زينة وحفلات وألعاب نارية وهدايا وأغنيات لاستقبال العريس الزمني الجديد.

الآن يتهيأ 2009 للوداع وفي عينيه دموع، وكذلك يتهيأ 2010 للولادة وفي عينيه دموع أيضاً، لكنْ ثمة فرق بين دمعة وأخرى. تمضي سنوات من عمر الناس، يكبر أطفال ويغيرون مقاسات ملابسهم، ويركضون في الحياة، متعطشين إلى الأمل وناثرين الحيوية أينما كانوا. ويكبر الشجر والقلوب والبيوت والأحلام أيضاً.

كل عام، ننتظر دقة الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، كما لو أننا ننظر إلى الساعة للمرة الأولى، وتكبر الصيحة وتزداد الموسيقى ارتفاعاً وتتناثر القبلات في كل االاتجاهات، كما لو أننا حققنا نصراً على الزمان، إذ عبرنا عاماً كاملاً ونحن لانزال أحياء.

الثانية عشرة ليلاً هي فاصلة في كتاب، فاصلة بين عامين، فاصلة بين غياب وحضور، بين ذكريات وأحلام. وفي هذه الفاصلة التي يتفاوت توقيتها حسب خطوط العرض والطول، تتفاوت أيضاً أحلام الناس حسب خطوط الحب والفقر والأمل والأمية. تتفاوت الأحلام، حسب خطوط الحياة، فبينما يحلم إنسان برغيف خبز ودواء وكتاب مدرسي لأطفاله، يحلم آخر برحلة إلى الفضاء. وبينما يحلم إنسان أن يلمح في الصباح حبيبته وهي تمر من أمام الفرن، يحلم آخر بأن يهدي حبيبته قصراً على كوكب زحل. وبينما يحلم طفل بأن يرفع علم بلاده على شرفة بيته، يقوم آخر بكتابة رسائل على قذائف باعتبارها هديته إلى طفل آخر. وبينما ينتظر إنسان في طابور طويل صحن عدس في شتاء قاس، يرمي آخر أطناناً من الطعام في حاوية قمامة. وبينما تنتظر طفلة يتيمة فستاناً في عيد ميلادها، يقوم آخر باحتلال بلاد وتخريج دفعات جديدة من الأيتام إلى الشوارع والضياع أو إلى دور الأيتام التي غالباً تذكر اليتيم بيتمه وأنه «مقطوع من شجرة». وبينما يحلم عجوز بأن يكبر أبناؤه أمام عينيه، يقوم آخر بتوسيع رقعة المقبرة. وبينما يحلم إنسان بأن يرى النور، يسعى آخر الي تعميم العتمة.

هكذا، كل عام نودع ونأمل بجديد في العام الجديد.

من حق الجميع أن يحلم، ولكن أي أحلام هي التي تراودنا، فثمة فرق بين حلم وحلم. على عتبة ،2010 نقف مستعدين لفرح، نتهيأ ليغمر الحب كل الأرض والقلوب والعيون. على هذه العتبة، نقف وفي أرواحنا يضيء الأمل بتغيير إلى الأجمل.

على العتبة نقف لنطلق قصيدة حب ترفرف في القلوب. نقف حالمين بزوال الاحتلال أينما كان. نقف حالمين بمحو الأمية من قاموس العرب. نقف حالمين بحرية تغمر الأرض كلها. ونحلم بتعميم الضوء ودحر العتمة.

ومع أن كل ذلك، لا يتحقق بصبح واحد، إلا أن من حقنا أن نروي شجرة الأمل في حياة أجمل.

ali.alameri@emaratalyoum.com

تويتر