الحُمص في خطر
هل هي الغيرة؟.. ام ماذا بالضبط؟ أم صار لا يحق للعربي أن يرفع رأسه عالياً ويفخر بفتات ما يملك!..
هل ضاقت عين إسرائيل من إنجاز عربي تناقلته وسائل الإعلام، وعقدت من حوله حلقات الدبكة، وألقيت له الكلمات الحماسية، والأناشيد الوطنية، حتى تحشر أنفها وتنافسنا عليه؟ ربما لم تعد «جارتنا» اللدود تريد من العرب أن يفرحوا بشيء، فبعد أن دخل عدد من الطهاة في لبنان موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية بأكبر صحن حُمص، ها هي «إسرائيل» تحشر نفسها لتحطم هذا الرقم، وتقيم بدورها احتفالية بصحن فيه من الحُمص أضعاف ما كان في الصحن اللبناني العربي.
ألا يكفي إسرائيل كل ما لديها حتى تضع عقلها في عقلنا، و«تجاكرنا»، وتشطب إنجازنا من موسوعة «غينيس»؟ ثم ما شأن إسرائيل بالحمص.. أليس هذا الصحن الذي تتهافت عليه الأنفس تراثاً شامياً عريقاً؟ أقصد هنا بلاد الشام كي لا تضيق صدور البعض لأن حتى بعض دول بلاد الشام تتصارع على الملكية «الفكرية» لأكلة الحُمص.
وهل تخلو مائدة شامية ـ أكرر بلاد الشام ـ من هذه اللقمة المغمسة بالزيت، وما تتطلبه من فحول البصل والفجل والنعنع؟ لا أعتقد أن واحداً من الشام ـ أقصد بلاد الشام ـ لم يستيقظ فجراً، ولم تلفحه الريح الباردة، ويبلله المطر للحصول على صحن الحُمص، خصوصاً أن لأصحاب هذه المحال مزاجيات خاصة، ومواعيد إغلاق لا تحيد عنها أبداً.
إسرائيل تحشر أنفها في الحُمص، بعدما باتت قاب قوسين من الحصول على اعتراف عالمي بأن الفلافل أكلة إسرائيلية أيضاً، وقد تم إدراج الفلافل في جميع كتب الطبخ والوصفات الشعبية الإسرائيلية، وهناك الكثير من شهود العيان في إسرائيل والعالم أكدوا انتشار المحال التي تقدم «الفلافل الإسرائيلية». والذي لا تعرفونه، ربما، أن إسرائيل ومنذ زمن ليس بالقصير تحاول تهويد الفول، والمتبل، ولم تتوقف الوقاحة عند هذا الحد بل صارت تقدم الفتوش، وورق العنب كوجبتين إسرائيليتين رئيستين في المناسبات الرسمية. ولا أخفيكم أني أشعر بالقلق على البرياني، والمكبوس، والمنسف، والكسكسي، والكبة اللبنانية، والكباب الحلبي.
طيب.. ماذا نفعل؟.. والحل؟ والنتيجة؟ وحاصلو؟..
كلها أسئلة مشروعة ليس لدي أجوبة عنها، وقد يسأل سائل، ماذا بعد؟ بصراحة لا أعلم، ربما يحق لي الدعوة إلى وقفة وطنية جادة من كل الطهاة العرب، أو عقد قمة استثنائية لهم قبل أن تُمرغ إسرائيل طرابيشهم البيضاء في التراب، ولا أدري إن كان ممكناً أن يتم إدراج قضية الحُمص والفول والفتوش و..و..و، ضمن بنود مفاوضات السلام، أو ربما يحتاج صحن الحُمص وتوابعه إلى خارطة طريق هو الآخر، وربما يمكننا مناشدة تركيا التدخل في الأمر خصوصاً أن المائدة التركية العتيدة لا تخلو من تلك الأكلات.
وربما أيضاً يحق لنا مطالبة الشيف رمزي الذي يوزع من كتابه أكثر مما يوزع أكبر مبدع عربي، ويجني من المال أضعاف أضعاف ما يجنيه أكبر مفكر عربي أو أستاذ جامعي.. يحق لنا مطالبته بتحرك جاد لإنقاذ كرامة صحن الحُمص، وإلا سنضيفه إلى بقية الأشياء المحتلة وننتظر الفرج. وربما، أقول ربما، تتفتح قرائح بعض الفنانين والشعراء في تمجيد صحن الحُمص الضائع، ونسمع أغنية «نفديك يا صحن الحمص»، أو «حُمص يا حياتي»، أو يتولى أحد المنتجين الفنيين الوطنيين إنتاج «أوبريت الحُمص الضائع».
على كل حال، قد يحمل هذا الكلام قدراً من السخرية والضحك، لكن في جوهره، في عمقه وتوابعه ليس بالأمر السهل، ولا يخلو من وقاحة مزعجة.. طيب.. ألا يكفي إسرائيل إنجازاتها وأرقامها القياسية في عدد القتلى والمعتقلين، واللاجئين، والمشردين، واليتامى، والأرامل؟ وألا يكفيها فخراً أن رقمها القياسي في أكبر سرقة في الكون لن ينافسها أحد عليه؟ فلم يسبق أن قام أحد بسرقة وطن بالكامل. ألا يكفيها كل ذلك حتى تناكدنا في موائدنا، وبطوننا أيضاً؟ ويظل السؤال وراداً هنا: هل إذا صار الحُمص أكلة إسرائيلية سنضيفه إلى بقية السلع التي علينا مقاطعتها؟
يا إخوان، الحُمص في خطر.. هل من مغيث؟!