كذبة الأسواق المالية
يحتاج المستثمرون في أسواق الأسهم المحلية، إلى مُنجّم حتى يستطيعوا تحليل أو فهم ما يحدث في السوق، بعد أن عجز المحللون، سواء الماليون أو الفنيون، عن فهم أو توقع ما يمكن أن يحدث، وأصبح تداول الأسهم مثل السير في الظلام، فلا يمكنك أن تتخيل متى ستأتيك الضربة، وهل يمكن أن تنجو من دون ضربات أم لا؟
وخلال الفترة الماضية، كانت هناك محاولات لتحليل ما يحدث في السوق، فبعض المحللين ربط بين أداء السوق وأسعار النفط، وربط فريق آخر بين تحركات الأسهم المحلية وارتفاعات وانخفاضات البورصات العالمية، لاسيما البورصات الأميركية، وحتى السوق السعودية، في حين حاول البعض الارتكان إلى التحليل المنطقي، وهو الربط بين الأداء ونتائج أعمال الشركات المصدرة للأسهم، والوضع الاقتصادي عموماً، وللأسف لم تثبت أي من هذه التحليلات جدواها.
وحتى لا أكون متجنياً في الحُكم على المحللين، وأسير على نهج مستثمرين استساغوا اتهام المحللين بالجهل والتآمر، لابد أن نسأل أنفسنا: هل أسواق الأسهم المحلية لديها المقومات لكي تصبح بورصات بمعناها الحقيقي؟ والإجابة هي بالطبع لا.
فأسواقنا المحلية ما هي إلا كذبة وصدقناها، وأسبابي في قول ذلك عديدة، أهمها أن أول الأسس التي تقوم عليها البورصات، هو حرية الدخول والخروج من الاستثمار، بمعنى أن يتاح للمستثمر (بصرف النظر عن جنسيته) شراء أو بيع الأسهم وقتما يشاء، ومثل هذا الأمر غير موجود في الإمارات، بل في الدول الخليجية عموماً، فالمستثمرون يُصنفون لفئات هي: مواطنون، وخليجيون، وعرب غير خليجيين،أجانب غير عرب.
وثاني الأسس لبورصة ناجحة، هو الوجود القوي للمؤسسات المالية التي تحافظ على رشد واتزان السوق، بعيداً عن المضاربات العشوائية للمضاربين. ولابد أن تتنوع هذه المؤسسات بين مؤسسات حكومية، وأبرزها صناديق التأمينات والمعاشات، وصناديق غير حكومية مثل الصناديق الاستثمارية التابعة للمؤسسات المحلية والعالمية. وللأسف، فإن مثل هذه المؤسسات غير موجود في السوق الإماراتية، والقليل الموجود منها انساق لنظرية القطيع، وتحول مضطراً إلى مضارب عشوائي، لا همّ له سوى المكسب، وليذهب الجميع بعدي إلى الجحيم.
ومن الأسس المهمة كذلك لسوق مالية قوية، وجود الرقابة اللحظية على التداول، وأن تمنح هذه الرقابة صلاحيات فعلية في اتخاذ ما تراه من عقوبات بعيداً عن أسماء الشركات، وهيكل ملكيتها، أو أسماء المستثمرين، وهنا الأمر مختلف، فالرقابة شكلية وليست لها سلطات تنفيذية.
أما عن مبادئ الإفصاح والشفافية التي تعد من أهم الأسباب لنجاح الأسواق المالية، فلاتزال غائبة تماماً، ويكفي أن رؤساء شركات يفصحون عن الأحداث الجوهرية للصحف، قبل أن يخطروا بها الجهات الرقابية، ويكفي أن جميع المتعاملين في السوق يرون أسهماً تصعد بقوة، من دون سبب، ثم يتم الإعلان عن الأسباب بعد فترة، يكون أقارب ومعارف وجيران المطلعين على المعلومات الداخلية قد جنوا ما جنوا من أرباح، ليتركوا الخسارة والحسرة لصغار المستثمرين.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الالتزام بالإفصاح والشفافية، هو وعي وسلوك والتزام في المقام الأول، ومن يروج لفكر أن إلزام الشركات بقواعد الحوكمة هو الحل، مخطئ بلا شك، فما فائدة قانون لا يُطبق، وما فائدة قواعد وعقوبات على جرائم يصعب إثباتها، أو لا يمكن تطبيقها إلا على الضعفاء والصغار!