الأزمة المالية وانهيار الرأسمالية

نجيب الشامسي

إن الأزمة المالية العالمية جاءت لتشكل انهياراً كبيراً للرأسمالية العالمية، التي تتزعمها الولايات المتحدة الأميركية، ولتؤكد ضرورة تدخل الدول في وضع السياسات والتشريعات التي تحكم اقتصاداتها الداخلية للحيلولة دون إعطاء القطاع الخاص صلاحية مطلقة كي يحقق أهدافه الاستراتيجية على حساب أزمات المجتمع في دول العالم، التي أصبح الإنسان فيها يعاني الفقر والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية التي نجمت عنها ظواهر سلبية كالتطرف والإرهاب كنتيجة طبيعية لتلك المعطيات، ليصبح الإرهاب والتطرف ظاهرتين عالميتين لا تخصان مجتمعاً بعينه، وإنما تشملان مختلف دول العالم ومجتمعاته، وتقضان مضاجع السياسيين، وستكون لهما آثار وخيمة على المجتمعات.

وفي ظل تداعيات الأزمة، فإن استقرار العالم وأمنه أصبحا مرهونين بمدى قدرة الدول على السيطرة على تلك التداعيات المتفاقمة.

إن الأزمة المالية العالمية الجديدة تعتبر من أخطر الأزمات الاقتصادية العالمية في العصر الحديث، وأشدها أثراً في مختلف اقتصادات دول العالم، حيث جاءت في ظل ارتباط شديد بين تلك الاقتصادات، كما كشفت مدى هشاشة النظام الاقتصادي العالمي الحديث الذي تقوده أميركا، بعد أن كان العالم ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها قائدة لقاطرة النمو والتنمية الاقتصادية في العالم، بما تمتلكه من اقتصاد يعد الأضخم عالمياً بحجم بلغ 14 تريليون دولار، وتشكل تجارتها الخارجية أكثر من 10٪ من إجمالي التجارة العالمية.

ويستحوذ الاقتصاد الأميركي على النصيب الأكبر من الاستثمارات العالمية، بما في ذلك استثمارات الدول الصناعية الكبرى واقتصادات آسيوية كالصين واليابان، كما أن السوق المالية الأميركية استقطبت نصيباً ضخماً من رؤوس الأموال، منها رؤوس أموال واستثمارات خليجية، هذا إضافة إلى أن المصارف والمؤسسات المالية الأميركية تحتضن تريليونات الدولارات على هيئة ودائع، ومنها ودائع خليجية كانت تنظر إلى تلك المصارف والمؤسسات كملاذ آمن لأموالها المتراكمة من زيادة أسعار النفط، خصوصاً في السنوات الأخيرة.

وتكمن خطورة هذه الأزمة في كونها مصاحبة لأزمة عالمية أخرى متمثلة في ارتفاع أسعار النفط والغذاء، إضافةً إلى أنها جاءت مصاحبة لأزمة حقيقية لعملة دولية هي الدولار، الذي شهد قبل الأزمة انخفاضاً تاريخياً وتراجعاً غير مسبوق أمام العملات الأخرى، الأمر الذي أدى إلى تعميق المشكلات التي كان يعاني منها الاقتصاد الأميركي، وبالتالي انعكست في تعميق المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي.

ولاعتبارات عدة فإن منطقة دول الخليج من المرشح أن تكون، وكما كانت موقع خلاف وصراع دولي استراتيجي بين مختلف القوى الاقتصادية العالمية، معرّضة لابتزاز دولي، إذ تبرز مطالبات القوى العظمى بضرورة تحمل دول الخليج جزءاً من تبعات الأزمة، على الرغم من أنها ليست ولم تكن يوماً طرفاً في صناعتها، بل إنها من أكثر الأطراف تضرراً من تبعاتها.

وحتى الآن لم يتحدد بعد حجم خسائر دول الخليج جراء الأزمة العالمية، وليس من المعروف الحجم النهائي الذي ستصل إليه هذه الأزمة الصعبة، وكم من الوقت يتطلب انحسار آثارها!

alshamsi.n@hotmail.com

تويتر