الغلاف الأسود!
نادراً ما يخلو الغلاف الأخير لأيّ كتاب من كلمة للناشر، أو لناقد، أو للمؤلف، أو من بعض المعلومات الخاصة بالمؤلف، وهي جميعاً تطمح إلى تسويق الكتاب لدى القارئ، وهو أمر مشروع من الناحية العملية، إذا أخذنا في الاعتبار أن الكتاب سلعة تجارية تخضع لمعايير الخسارة والربح.
ولكن اللافت في هذا الغلاف، هو أن هذه الكلمات التسويقية غالباً ما تنطوي على كثير من المجاملة والنفاق، بل تذهب بعيداً أحياناً في الكذب على القارئ الذي يتم التعامل معه هنا كمستهلك يمكن اقتناصه أو الإيقاع به!
ولكن ما لا يخطر ببال الكتبة على الغلاف الأخير، هو أنهم يقومون بتلويث أسمائهم قبل غيرهم، والأكثر أهمية هو أنهم بهذه الكلمات، يقومون بخلط الأوراق كالحواة ذوي الجيوب العميقة، التي تحتوي على الأرانب والحمائم والفئران وما شابه ذلك!
فلا رواية تصدر إلا ونقرأ ما يشير إلى كونها فتحاً جديداً في الرواية العربية، ولا ديوان شعر إلا ويعتبر تطويراً في مسيرة الشعر العربي، ولا مجموعة قصصية إلا وتعدّ ريادة لمناطق غير مألوفة في القصة العربية!
ولو كان في ذلك شيء قليل من الصحة، لاغتنت المكتبة العربية بالإبداعات العربية التي تتناثر بين الأقطار العربية يومياً، في الوقت الذي نجد أنفسنا نلهث بحثاً عن عمل إبداعي جديد لقراءته، بسبب شحّ هذه الأعمال وندرتها.
وإذا كانت دور النشر معنية بالربح والخسارة، وإذا كان الناقد مجاملاً أو منافقاً في كثير من الأحيان، فإنني لا أجد تفسيراً لبعض المؤلفين الذين يقومون بكتابة الغلاف الأخير بأنفسهم.. أي أنهم يلعبون دور المبدع والناقد في آن واحد، وهي حال ليس فيها كثير أو قليل من الادعاء أو الزعم أو المبالغة كما قد يظن البعض، فقد عرفنا كثيراً من هؤلاء الكتاب الذين يفعلون ذلك من دون رادع ذاتي أو موضوعي!
أحدهم يكتب أن روايته وصلت إلى منطقة جريئة لم يسبق للرواية العربية الحديثة أن وصلت إليها.. ولأنه لا يعرف تضاريس هذه المنطقة الجديدة، فإنه يوغل في ـ تسويد الغلاف الأخير ـ وهو يقول، إن روايته تجمع بين الملحمية والعبثية! وللقارئ أن يتخيل مدى المفارقة التي يتحدث عنها، ومدى الاستخفاف بالقراء والنقاد على حدّ سواء.
وثمة كاتب يكتب مقدمة لدراسته التاريخية، ثم يسوّد وجه الغلاف الأخير بفقرات عدة من هذه المقدمة، ومن ذلك: إن هذا الكتاب يسبح عكس التيار، وهو كتاب ضد الكتب!
ولا أعرف ما الذي تبقى للناقد كي يقوله بعد هذا الكلام المجاني.. مجاني لأنه يأتي من صاحب الكتاب أولاً، ولأنه يصادر أسئلة المتلقي وأفكاره، أو يقوم على الأقل بتوجيهها نحو الجهة التي يريدها المؤلف ذاته.
وشاعر يكتب ما معناه أن هذه القصائد قد سلكت منحى مغايراً وجديداً لما هو مألوف في الشعر العربي، فهي ـ أي القصائد ـ تتكئ على مشهديتها أكثر مما هي معنية بالمعنى!
ولا نريد أن نتابع اختياراتنا العشوائية، ولكننا نضع هذه النماذج، فقط لكي نتتبع هذه الظاهرة، وما وراءها، ونحاول أن نتبين مدى التشوه في بنية العقل العربي الإبداعي!