كل جمعة
«طالبان».. المتحررة
لابد من التذكير بأن حركة «طالبان» حكمت أفغانستان خمس سنوات بين عامي 1996 و،2001 وهي عصابة من التكفيريين الذين برعوا في الإساءة إلى الإسلام، فحرموا المرأة من التعليم والعمل، وحظروا السينما والموسيقى ونشر الصور في الصحافة، وقصفوا التماثيل بالمدفعية، وأسوأ ما فعلوه أنهم وفروا حاضنة آمنة لتنظيم «القاعدة» المتخصص في قتل الأبرياء، وتفجير الطائرات، وحفلات الزفاف. الحركة سقطت بالطائرات وبالصواريخ الأميركية، ولا أسف على سقوطها، وكنت ومازلت أتمنى لو أنها رحلت من السلطة بضغط سياسي واجتماعي داخلي، دون دماء وضحايا. لكن يبدو أن حجم البطش الذي تمارسه أنظمة، وحركات شمولية كثيرة في العالم الثالث على شعوبها يستحيل معه إصلاح الحال دون تدخل خارجي، غالباً ما يكون انتقائياً في مواجهة القمع والإرهاب. فواشنطن التي تحارب «طالبان» تدعم سياسياً ومالياً عصابة من القتلة المأجورين برئاسة بنيامين نتنياهو، تزيد سفاهة وإجراماً على أي تنظيم «ديني» في العالم الإسلامي، بل وتتفوق بأنها عنصرية، وتمارس احتلالاً وإرهاب دولة منذ أكثر من 60 عاماً.
الكذب والخداع أسلوبان لصيقان بالإجرام. فحركة «طالبان» دانت أمس بشدة الصحافة المحلية في أفغانستان، لأنها لا تغطي الهجمات والمعارك مباشرة، واعتبرت أن ذلك «يضرب حرية التعبير، وحرية الصحافة» واستنكرت القيود المفروضة على حرية الإعلام. وذلك يشبه تصريحات نتنياهو وليبرمان عن ضرورة الوصول إلى سلام مع الفلسطينيين، ولا يختلف أيضاً عن حديث مسؤولين في دولة من العالم الثالث عن حرية التعبير، وهم أعدموا كتّاباً وصحافيين كتبوا مقالات معارضة للسلطة.
هكذا، ببساطة شديدة، تستخدم «طالبان» مفردات عن «حرية الصحافة» و«حرية التعبير». وهي التي لم تؤمن بأي حرية، وبأي حقوق للأفغانيين طوال سنوات حكمها البائدة. حرمت النساء من التعليم والعمل بحجة الاختلاط، ولم توفر بدائل، ولم تسمح للصحافة بنشر أي خبر سوى أخبارها، وأسرفت في تحريم حقوق مواطنيها، بما لم يسبقها إليه أحد، ثم رأت بعد تسع سنوات من سقوطها أنها ضحية غياب حرية الصحافة في بلادها.
ومع غض النظر عن هذا الخداع، فإن الحكومة الأفغانية أخطأت في منع تغطية المعارك، لأنها منحت أعداء الحرية فرصة للتشدق بها، والظهور بأنهم متحررون وإيجابيون تجاه الحريات والحقوق. ثم إن من حق الأفغانيين أن يعرفوا حقيقة الوضع الميداني، ليطمئنوا على حياتهم ومستقبلهم. وقد قرأت تحليلات وتغطيات صحافية عن الوضع الداخلي في هذا البلد، بعد الحديث عن وساطات لأجل مصالحة وطنية، إذ أعرب كثيرون عن مخاوفهم من عودة «طالبان» كحزب سياسي، له طموحات بالسلطة، وبعض السكان قال إن ذلك يعني أن المجتمع الدولي يحكم على شعب بأكمله بالإعدام.
كل ذلك، يعني أن الشعوب التي عانت اضطهاداً تاريخياً من إرهاب التنظيمات والدول، مثل الفلسطينيين والأفغان لا تملك عملياً خيارات مصيرية، تكفل لها الحياة بهدوء وكرامة، ما لم يقف معها المجتمع الدولي، وبدقة أكثر ما لم تقرر الولايات المتحدة، أن تضع حداً للظلم والبطش والإرهاب، دون مكاييل وأوزان مختلة، وأن تتعامل بعدالة مع المجرمين الذين يرتدون ربطات العنق، مثل نتنياهو وباراك وليبرمان، وأولئك الذين يصنعون المتفجرات لقتل الناس، ويحملون الأسلحة بين الجبال والأودية.
baselraf@gmail.com