التكفير أمره خطير
صح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه»، فدل الحديث دلالة واضحة على خطورة أمر التكفير إن رُمِي به من عرف بالإسلام، وعلى أن ذلك الرامي على شفى حفرة الهلاك إن كان قد جازف بقوله؛ بأن لم ير كفرا بواحا، له عليه من الله برهان يكون كالشمس في رائعة النهار؛ لأنه بذلك يستحل دمه وماله وهو معصومهما بعصمة الإسلام، كما قال في حديث آخر: «لعن المؤمن كقتله، وإذا قال له: يا كافر، فهو كقتله» وأي حياة لذلك الذي يهدر دمه برميه بالكفر وهو من الكفر يفر، وقد قال صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما يوم أن قتل الرجل في ساحة الوغى: «يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قال أسامة: كان متعوذاً، فمازال يكررها، قال أسامة: حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم» يوبخه على تجرئه باستباحة قتله بعد أن سمع ما يعصمه منه، وهو نطقه بالشهادتين التي قال عنها عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقاتل الناس -أي مشركي العرب- حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».
هذا هو منهج الإسلام الذي شرعه رسول الإسلام ولا شرع إلا شرعه ولا هدي إلا هديه، فكيف يكون حال ذلك المتألي على الله وقد تنكب منهج شرع الله؟! لا ريب كان جزاؤه وفاقاً، فكما تدين تدان، ذلك حكم الملك الديان، لكل بني الإنسان.
قد يخالفك الرأي وتراه على الضلال المبين، إلا أن له أصلاً في هذا الدين المتين بنطقه بالشهادتين، وتوجهه لقبلة المسلمين، فلا يحل لك أن تروعه بحكم إدا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته».
هذه دائرة الإسلام الواسعة التي من دخلها فهو آمن على نفسه وماله وعرضه، ناهيك عن أن واجب المرء الأول حماية نفسه عن زلل الوقوع في ما يريد حماية غيره منه، فيكون ممن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، فعندئذ يقول:
فيا ليتني لم أكن قاضيا و يليتها كانت القاضية
ويتمنى أن لو التمس المعاذير لأخيه كما كان السلف يقولون: «إذا زل أخ من إخوانكم، فاطلبوا له سبعين عذراً، فإن لم تقبله قلوبكم فاعلموا أن المعيب أنفسكم حيث ظهر لمسلم سبعون عذراً، فلم يقبله».
على أن مسائل الخلاف الفقهي لا مجال فيها للتكفير وإنما مجالها: الخطأ والصواب، فيقول فيها المخالف: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، والخلاف الفقهي الذي تحتمله الأدلة من سمات هذا الدين الذي شرعه العليم بعباده، الخبير بأحوالهم، ولو شاء الله أن يجعله نصوصاً لا تقبل التأويل، ولا تتسع للتأصيل والتعليل لفعل، ولكنه أراده كذلك ليميز الله بين الراسخين في العلم والمدعين فيه، فيعلم الناس الرباني والسابق والمقتصد والظالم نفسه، وقد علم الجميع أن الاختلاف سنة بشرية، وسماحة إسلامية، عرفه العلماء وتواتر بين الأبناء عن الآباء، ولايزالون مختلفين ولذلك خلقهم.
❊ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي