‏صدمة الفتى «علي».. ‏

‏من الصعب جداً تخيل حالة الألم والحزن والذهول، التي تعصف بوالدة الفتى علي محمد حسين، ذلك الفتى البالغ من العمر 13 عاماً، الذي فارق الحياة متأثراً بـ11 طعنة في أنحاء متفرقة من جسده الصغير، على يد 10 من الشباب المراهقين..

صدمة شديدة، وذهول أشد، تجاوزا هذه الأم المكلومة، وعائلة علي الصغيرة، ليضربا كل أفراد المجتمع، وكل من قرأ خبر الجريمة التي هزت أركان كل منزل، وكل أم، وكل عائلة، فطعنات هؤلاء الشباب لم توجّه إلى ذلك الجسد الصغير، بل توجهت وبشدة إلى المجتمع بشكله العام، كاشفة عن خلل وأزمات، وظواهر عنيفة، وإجرام، واستخفاف بالقوانين، ولا مبالاة أو خوف أو رادع.

جريمة قتل «علي» ليست هي الأولى من نوعها، وليست والدة علي هي الأم الوحيدة التي مازالت تنتظر رجوع ابنها إلى المنزل، ومازالت تفتح الباب في موعد رجوعه، لأن عقلها لم يستوعب إلى الآن موته بتلك الطريقة البشعة، هناك كثير من الأمهات مررن بالحالة نفسها، وفقدن أبناءهن بطعنات سكاكين وسيوف وخناجر، مازلن إلى اليوم ينتظرن عودة أبنائهن، الذين لن يرجعوا يوماً، ومع ذلك لم نُحرك ساكناً، فازدادت الظاهرة، وزادت الطعنات، وزاد عدد عصابات العنف في المدارس والأحياء السكنية.

لا أحتاج إلى شرح مفصل بكثير من كلمات الحزن والغضب حتى أؤكد خطورة الوضع، فالوضع تجاوز الخطوط الحمراء، وأصبح بحاجة إلى حملة رادعة قوية من الجميع، المسألة ليست مجال اختصاص جهة دون أخرى، فالشرطة طرف، والمدارس طرف، والإعلام طرف، والأسرة طرف، والأحياء طرف، وكلنا مسؤولون، وكلنا بحاجة إلى حل لوقف نزيف السكاكين، ولا أحد منا يود حمل أخيه أو ابنه بين ذراعيه وهو يتلوّى من الألم، أو جثة تغطيها الدماء من كل جانب!

إنها ظاهرة، وليست تصرفات فردية، علينا الاعتراف بذلك، وعدم دفن الرؤوس،ولو عُدنا إلى الوراء قليلاً سنجد أن «الإمارات اليوم» نبّهت إلى انتشار جرائم الأسلحة البيضاء بين الشباب قبل ثلاثة أعوام، وألقت كثيراً من الضوء عليها، لكن الأمر يستفحل وعدد القتلى يتزايد، ونزف الشباب مستمر من الطرفين، المقتولين والقتلة، والخاسر الأكبر هو المجتمع!

نحتاج بالفعل أن نعرف الأسباب، فالاستسهال في القتل أصبح مرعباً عند هذه الفئة الصغيرة من الشباب، واستخدام السكاكين والسيوف أصبح أسهل من أي شيء آخر، والتعمد في الإيذاء الجسدي بطريقة عنيفة أصبح سلوكاً عادياً للغاية، فكيف يمكن تفسير ذلك؟ هل المسألة في عدم خوف من العقاب؟ ولماذا تأصل هذا الشعور في هؤلاء؟ أم أن القصة تكمن في غياب التربية وغياب دور الأسرة؟ فكيف تمكن معالجة ذلك؟ أم أن العنف الموجود مرتبط بتلك اللقطات العنيفة في الأفلام والسينما؟ أم أن الموضوع تراكمات موضوعات عدة مختلفة ومتشابكة؟!

أياً كان السبب، فالقصة أصبحت خطيرة، وتمس أمن المجتمع، وسلامة أبنائه، وبالتالي لابد من التعامل مع هذه الظاهرة بشدة أكبر، وحزم أشد، والمطلوب وقفة صارمة من الجميع من دون تهاون أو تخفيف حدة الموضوع، كما حدث قبل أعوام ثلاثة، عندما اتهمنا الكثيرون، عند إثارة الموضوع ذاته، بأننا في «الإمارات اليوم» نهوّل الموضوعات ونعطيها أكبر من حجمها، فاتضح اليوم أن قضية استخدام السكاكين هي التي كبرت وتضخمت، إلى حين مقتل «علي» الذي لا شك في أن مقتله سيشكل رعباً حقيقياً لدى جميع أولياء الأمور، فكل منهم يخشى أن لا يرجع ابنه يوماً إلى المنزل في موعده!‏

 

reyami@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة