من المجالس
عندنا مهرجانات للتسوّق، ومهرجانات للسياحة، ومهرجانات للألعاب الرياضية.. تتنوّع وتتكرر على مدار السنة، ولكن ليس لدينا مهرجانات للقراءة تستنفر المجتمع، باختلاف فئاته العمرية، ليشارك في ماراثون يتسابق فيه الجميع مع الوقت لقراءة أكبر عدد من الكتب وتحصيل أكبر قدر من المعلومات.
عندنا معارض للكتب، وهي معارض ناجحة وذات تجربة رائدة على مستوى الوطن العربي، ولكن هذه المعارض لم تستطع أن تصبح مهرجانات حقيقية للقراءة. فشراء الكتاب لا يعني بالضرورة قراءته. فكم من الكتب يزاحم بعضها بعضاً في المكتبات المنزلية من دون أن تقلّب صفحاتها، وكم من الكتب تضاف إلى أرتال سبقتها في المكتبات العامة وتظل حبيسة الأرفف ردحاً طويلاً من الزمان من دون أن تصلها الأيدي وتبصرها العيون وتطالعها البصائر. في معارض الكتب يتحوّل الكتاب في نظر الكثير من الناس إلى عناوين جذابة تغري باغتنام فرصة الاقتناء والجمع إلى حين قدوم الفسحة في الوقت لقراءتها بالترتيب. وغالباً لا تأتي هذه الفسحة لأن العادة تغلب الرغبة في معظم الأحيان. والقراءة لم تصل إلى مستوى لتكون عادة في مجتمعنا، لأن العادة تأتي مع التعوّد، والتعوّد يتحقق بالتربية، ولاتزال التربية عندنا، في البيوت والمدارس، غير قادرة، أو غير مبالية بزرع عادة القراءة في نفوس الصغار، والمزاج العام في المجتمع غير قادر أو غير مبالٍ هو الآخر بتوجيه الكبار للتعود على القراءة. ومدمنو القراءة في مجتمعاتنا الخليجية والعربية أو محبّوها إنما بلغوا ذلك إما لملكات خاصة بهم أو لظروف محدودة قادتهم لذلك. القراءة لم تصل عندنا لتكون عادة بعد. وحتى يتحقق لها ذلك فإننا بحاجة إلى عمل رسمي وأهلي منظم يجعل إقبال الناس على القراءة جزءاً من نمط حياتهم، كإقبالهم على اختيار ملابسهم والتمتع بوجباتهم، واختيار أوقات تنزههم. والمهرجانات العامة ربما كانت موسمية، ولكنها يمكن أن تكون بمثابة المواسم التي تتجدد فيها الدعوة كلما تراجع إقبال الناس على القراءة. فهي، مع معارض الكتب، تمثل موجات تشجيع وتحفيز تقربنا أكثر من القراءة وحب الاطلاع كعادة اجتماعية وفردية لا تتوقف على النخبة، ولا تكون حكراً على المثقفين فقط.