من المجالس
قمع المرأة في العالم يشكل تهديداً مباشراً لأمن الولايات المتحدة الأميركية. هذا ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمام الدورة السنوية الـ45 للجنة الأمم المتحدة حول وضع المرأة. وفي الحقيقة، إنني في البداية لم أفهم سبب ذلك الربط المباشر بين قمع المرأة في دول من العالم والأمن القومي الأميركي، وظننت أنه ربما قصدت الوزيرة كلينتون الحديث عن القيم الأميركية، لا الأمن القومي الأميركي، باعتبار أن قمع النساء يتناقض مع نسق القيم الأميركية الذي تسعى واشنطن لجعله نسقاً عالمياً، ولكن قراءة أخرى للخبر في مختلف الصحف والمواقع الإلكترونية أكدت عدم وجود أي خطأ في النقل والصياغة.
وعلى الرغم من تأكيد السيدة كلينتون أن «الأمر بسيط»، إلا أنني لم أجد تفسيراً لذلك الربط المباشر بين أحوال النساء في الدول الأخرى وأمن الولايات المتحدة، ولكنني شعرت بالمزيد من انسياق السياسة الأميركية وراء الهاجس الأمني في كل تفاصيلها، وأحسست بأن تأثيرات «المرحلة البوشية» لاتزال مترسخة في عملية صياغة السياسة الخارجية الأميركية، وإن تركتها ثقيلة إلى درجة أنها أصبحت ثقافة وأسلوب تفكير عام لدى صانع القرار الأميركي بغض النظر عن كونه محافظاً أو ديمقراطياً. قمع النساء، كما قمع الرجال، مسألة أخلاقية واجتماعية، وربما تكون لها تداعيات سياسية وأمنية إذا أخذت من باب الأسرة الواسع الذي إما أن تخرج منه قوافل الأمل أو جحافل اليأس والإحباط، ولكن لهذه التداعيات السياسية والأمنية أسباباً أخرى تتعدى أوضاع المرأة، وربما تأتي مباشرة من الأوضاع التي تسببها السياسات الأميركية في بقاع مختلفة من العالم.
ولكن يبدو أن بشائر «الحقبة الأوبامية» التي انطلقت بوعد القدوم إلى العالم بوفود الثقافة ومبعوثي العلوم بدلاً من أساطيل الحرب، قد وقعت مرة أخرى في أسر الهاجس الأمني الذي ربما يضع قضية «التونا» ذات الزعانف الزرقاء المهددة بالانقراض في صلب الأمن القومي الأميركي، ويجعل من موضوع الحافلات المدرسية في تيمور الشرقية سبباً لإعلان حالة الطوارئ في أجهزة الأمن والحرب الأميركية.