‏أبواب‏

‏لغتنا هويتنا ‏

‏إلى أين تمضي حال اللغة العربية، وماذا نفعل لتدارك الأمر قبل فوات الأوان؟ هل نعي تماما أن لغتنا هي أحد المقومات الرئيسة لهويتنا، أم أننا نضع رؤوسنا في الرمال، ونحن «نرطن» بلغة «ممسوخة» تندمج في مفرداتها لغات عدة، مثل خلطة غير متجانسة، سرعان ما تتشقق تحت شمس الظهيرة؟

لغتنا العربية تحتاج إلى إنقاذ، وتحتاج إلى رعاية وصيانة، إذ إن وجودها محزن وخجول للغاية في كثير من المدارس والجامعات والشوارع ومراكز التسوق والمؤسسات الحكومية والخاصة وفي المطارات والمطاعم وفي المؤتمرات والندوات الثقافية وغير الثقافية. نعم، لاتزال لغتنا التي تعبت من التغني بها في المناسبات في وضع حرج، وتحتاج من دون مبالغة إلى «غرفة إنعاش»، قبل أن نصبح أسرى تماما ومستسلمين للغة «هجين» تجمع كلمات متقاطعة من لغات عدة.

تعبت لغتنا من البرامج والمؤتمرات التي تدشن «لعينيها المطفأتين»، ويلزمها اكثر من مجرد التغني بأمجادها. لغتنا، وخصوصا في الإمارات وسائر دول الخليج العربي، تحتاج الى وقفة جادة ودراسة جادة وخطط إنقاذ جادة، لتخرج من «قسم الطوارئ» وقد دبت فيها الحياة.

لغتنا تتعرض لانتهاك صارخ، فالأخطاء والتشويه في النطق والكتابة وصلت إلى حدّ لا يحتمل، إذ إن واجهات المحال والفواتير والمعاملات وسيارات الشركات والأسواق وكذلك بعض المعارض والندوات تشهد على ما تتعرض له «لغة الضاد» من «هتك».

هل أحلم؟ ربما، لكنني لست الوحيد الذي يحلم بإعادة الاعتبار إلى اللغة العربية، فقد بادرت جهات عدة في الإمارات بالتنبيه إلى الحال البائسة للغة العربية، وكان أحدثها مبادرة المخرجتين الإماراتيتين أحلام البناي وجمانة الغانم اللتين أخرجتا فيلما عن واقع اللغة العربية في الحياة اليومية، وسيعرض الفيلم في الدورة المقبلة لمهرجان الخليج السينمائي في دبي. كما أكد استبيان نشرته «الإمارات اليوم» رغبة المقيمين من الأجانب في تعلم اللغة العربية، ما يمثل أرضية مناسبة لاتخاذ خطوات جادة في سبيل ترسيخ التعامل بلغتنا، وكانت الإمارات اعلنت «عام الهوية» الذي من بين أهدافه تعزيز لغتنا في المجتمع وفي المعاملات وفي المدارس والشارع، خصوصا أنها ركيزة اولى في بنيان الهوية. كثير من الدول خصوصا الاوروبية تشترط على الراغب في الاقامة أن يتعلم لغة البلد، وأن يدرس جزءاً أساسياً من تاريخه إذ إن اللغة ليست مجرد كلام، بل لديها محمول ثقافي يعبر عن هوية كل بلد، وكما أظهر الاستبيان، فإن رغبة الاجانب في تعلم لغتنا، تسهل القيام بخطوة في اتجاه إعادة الاعتبار إلى لغتنا. وهذا يتطلب تنظيم دورات في اللغة للمقيمين الاجانب، بحيث تمكنهم من التعامل بها، وكذلك تصبح مصدرا لهم لمعرفة شيء عن الثقافة العربية وطبيعة المجتمع الذين يعيشون فيه.

ومن فوائد هذه الخطوة ايضا أنها تعزز الحوار الثقافي، وتعزز الانفتاح الاجتماعي، والتواصل، كما تعزز الهوية، وهو أحد الاهداف الرئيسة.

إذا لم تبدأ خطوة الالف ميل، فإن هذه الاميال ستصبح أكثر، خصوصا أن على العائلة دوراً مهماً في «تمكين» اللغة العربية، ولكن، للأسف، عائلات عربية عدة، اصبحت تتجاهل لغتها وتتحدث باللغة الانجليزية في البيت الواحد. كما أن مؤسسات عدة لاتزال تتعامل بالانجليزية في مخاطباتها، ولا تعير للعربية أدنى اهتمام. وللإعلام ومؤسسات المجتمع دور أساسي ايضا في تعزيز لغتنا التي اصيبت بالضمور، وصار المتحدث العربي «يستنجد» بلغة اخرى للتعبير عن مشاعره أو أفكاره، مع أن الخلل ليس في لغتنا، بل في الناطقين بها.

لغتنا تستغيث في الشارع، فهل من مغيث؟! ‏

ali.alameri@emaratalyoum.com

 

تويتر