‏كل يوم‏

‏المرونة في منع المواطن من السفر.. ‏

‏لا خلاف أبداً على أن القانون يطبق على الجميع، ومن الطبيعي جداً والمنطقي أن لا يفرق النص القانوني بين مواطن ووافد، فهو نص عام يخاطب جميع من يعيش على أرض الدولة، هذا هو الأساس وهذا هو الصواب، وهو أمر لا يختلف عليه أحد أبداً، فالقانون وضع لتنظيم العلاقة بين البشر، ومن يخالفه يعاقب بالعقوبة المقررة، بغضّ النظر عن جنسيته أو دينه، وهذه هي العدالة.

ومع الاقتناع الشديد بالكلمات السابقة، إلا أن هناك قناعة أخرى بدأت تتشكل في الآونة الأخيرة، وهي اعتماد المرونة في تطبيق بعض القوانين في القضايا البسيطة، بالتأكيد لا نقصد قضايا القتل أو الاغتصاب، ولا الخطف أو الفساد وسرقة الملايين، وبالتأكيد لا نقصد إعفاء أي إنسان من أي عقوبة يقرها القانون سواء كانت جريمته صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، إنما المرونة المقصودة محصورة في جزئية واحدة فقط لا غير، هي التجاوز عن التعميم على المواطنين ومنعهم من السفر في قضايا المديونيات البسيطة.

لا يعقل أبداً أن يتم منع مواطن أو مواطنة من السفر لأنه مدين لشركة ما، أو مصرف ما، بمبلغ لا يتجاوز 9000 درهم، أو حتى 20 أو 30 ألفاً، وفي كثير من الأحيان تكون الخسارة التي يتعرض لها المواطن جراء هذا المنع أكبر بكثير من قيمة المبلغ المطلوب من أجله.

ومن غير المنطقي أصلاً أن يتم منع مواطن من مغادرة بلاده من أجل مبالغ بسيطة، فهو وإن طال السفر لابد أن يعود، مع ملاحظة أننا نتحدث فقط عن قضايا المديونيات البسيطة التي تتعلق أغلبيتها بفواتير شركات أو دفعات بطاقات ائتمان لمصارف، ومع ملاحظة أنني لا أطالب بإسقاط حقوق الغير، مهما كان هذا الغير، ومهما كانت قيمة المبالغ والحقوق، لكني أتحدث فقط عن جزئية المنع من السفر كخطوة يمكن استبدالها بخطوات أخرى تضمن مراجعة المواطن لجهة الاختصاص فور عودته من سفره، بدلاً من إرجاعه من عند بوابة المطار الداخلية.

لابد من إعادة قراءة القانون بطريقة صحيحة، وبالاعتماد على روح القانون بدلاً من التطبيق الحرفي له، فأمر المنع من السفر هو «إجراء احترازي لحماية حق، وعليه لا يمكن أن يُهدر حق آخر، وهو حق السفر والتنقل باعتباره حقاً أصيلاً».

إذن الموضوع بحاجة إلى إعادة نظر، حيث لا يمكن تعميم مسألة عدم المنع من السفر، ولا يمكن في الوقت نفسه تعميم المنع على جميع الحالات، فالمواطن الذي عليه مطالبات بمئات الملايين، أو مطلوب على ذمة قضية فساد بملايين عدة، ليس كمن عليه متأخرات «كريدت كرت» بقيمة 9000 درهم، أو فاتورة ما، بقيمة 2000 أو 3000 درهم، أو حتى دين بقيمة 30 ألفاً، لا شك في أن الفرق واسع وكبير، وكما أن هناك عقوبات أخرى في قوانين أخرى متغيرة ومرتبطة بالمبالغ المالية، فلا مانع «نظرياً» من تعديل قوانين منع المواطنين من السفر في قضايا المديونيات بحيث تكون هي كذلك مربوطة بحجم المبلغ موضع الخلاف، وعلى ضوئه يتم تحديد قرار المنع، فإن كانت الدراهم من الكثرة بحيث تغنيه عن العودة فليتم منعه، وإن كانت بسيطة أو متوسطة، فالأولى عدم منعه، والمرونة في هذه الحالة هي أفضل الحلول! ‏

reyami@emaratalyoum.com

 

تويتر