«الأقصى» يؤذّن في مالطا
القدس تنادي ولكن مكبراتها لم تعد تتجاوز حدود أسوارها. و«الأقصى» يستغيث ولكن أذانه لا يصل إلى أسماع أهل مالطا. فقد تمددت مالطا حتى أصبحت عنوان كل محيط القدس وجوار «الأقصى». وأهل مالطا لم يكونوا ليفرقوا بين أذان أو أنين لأنه لا يعنيهم أي من الاثنين، ولا ما يحدث للاثنين. فالمالطات القريبات أصبحت بحكم السياسة بعيدات، وبحكم الارتهان بريئات من كل الدماء التي تسيل في القدس، وكل الجرائم التي تحدث على ارض القدس، وكل التغييرات المستحدثة في محيط القدس وخارجه.
في زمن تفشي الفيروس المالطي تبدو لكل مالطا من المالطات العربية غير المتحدة شؤونها وشجونها وهمومها ومشاغلها التي تكفي لأن تجعل من القدس وصرخاتها في ما وراء الأجندات الوطنية. فأمام المالطات العربية خطط التنمية التي كلما أرادت أن تغادر المربع الأول منه عادت إليه، وخطط التطوير التي صار الالتفاف إلى الخلف عنوان صناعتها. وهي مشغولة بخطط التعمير التي جعلت العالم العربي أنموذجاً في تكدس السكان داخل المدن الكبرى، ومثالاً لهجرة الريف وأهل الزراعة إلى قيعان العواصم وهوامش الأرزاق.
في زمن الأنفلونزا المالطية لا صوت يعلو فوق صوت المعركة العلفية، والركض خلف توفير أسباب الحياة البهيمية. فسكان المالطات المتفرقة مأخوذون بهمّ سد الرمق، وتوفير المأوى، واللهث خلف الرزق، والسير بجانب الجدران بحثاً عن الستر وهرباً من جور الاتهام وملاحقة الأزلام.. فما فينا يكفينا. أما القدس والمسجد الأقصى والمرابطون فيه وحوله فلهم رب يمهل ولا يهمل. وأما نحن فلنا هموم تشغلنا وتأخذنا منذ الصباح الباكر وحتى المساء المتأخر من محطة إلى أخرى، فلا يكاد يكون في الوقت متسع ولا في البال مكان ولا في القلب محل للقدس ومسجدها الأقصى ومقدساتها وترابها وتاريخها وحقوقها وإرثها ولا ذلك الوعد القديم.