نموذج كارلوس الحلو«ناقص»!
بصراحة لم أستطع الحكم على كارلوس الحلو، ذلك الملياردير الذي استطاع أن يتربع على عرش أثرياء العالم، متفوقاً على الملياردير الشهير بيل غيتس، وذلك بعد أن جمع ثروة تقدر بنحو 53.5 مليار دولار، هل هو النموذج الصحيح الذي يجب أن يقتدي به جميع رجال الأعمال؟ أم أنه صورة متطورة من نوادر كتاب البخلاء للجاحظ، وبعض الشخصيات الشهيرة من رجال المال والأعمال الذين لا يحبون سوى جمع المال ومضاعفته، في الوقت الذي تتضاعف فيه أوجاع أولادهم وأهاليهم من الحرمان والبؤس!
كارلوس الحلو المكسيكي من أصل لبناني، على الرغم من امتلاكه أكبر رصيد من الدولارات في العالم، إلا أن ثروته الهائلة تتناقض بشدة مع نمط حياته المقتصد، فهو يعيش في المنزل نفسه منذ نحو 40 عاماً، ويقود سيارته المرسيدس القديمة، وهو يتحاشى شراء الطائرات الخاصة واليخوت والأشياء الفاخرة التي تقبل عليها النخبة في المكسيك، وبقية أنحاء العالم من دون شك.
معظمنا سيفسر ذلك بالبخل، وقد يكون ذلك صحيحاً، لكن ألا يحق لنا أن ننظر إلى الموضوع من زاوية أخرى أكثر إيجابية، فالمال لا يمكن أن يجلب السعادة للإنسان، ومع أن كارلوس الحلو أغنى أغنياء العالم إلا أن سعادته بناها على أساس النجاحات التي حققها، وليس على أساس المال، فالمال لم يغير في نمط حياته شيئاً، ولم تكن الأمور المادية هي الزاوية التي اعتمد عليها في أسلوب حياته، وأسباب سعادته.
وعلى العكس من تصرفات الحلو، نجد في أنحاء مجتمعنا نماذج أخرى كثيرة جداً، لا تفكر إلا في حياة البذخ، ومن أجل تلك الحياة، بدأت تفكر في جمع المال، من دون التدقيق في مصدره وشرعيته، وبمجرد الحصول عليه بدأت عمليات الصرف المبالغ فيها، في أمور متشابهة عند تلك الفئة، فاليخت أول ما يمكن التفكير فيه، والسيارات الفارهة غير العادية، وتغيير المكان والمنزل حتى وإن كان جديداً، لا يهم، المهم لزوم المرحلة الجديدة بعد تجاوز سقف مئات الملايين، خصوصاً إن كانت تلك الملايين جاءت بـ«الساهل»، فلم يضطروا إلى بيع المشروبات والمرطبات والوجبات الخفيفة في بداية حياتهم، كما فعل كارلوس الحلو!
بالتأكيد هي مسائل شخصية، وعادات اجتماعية، وكل إنسان حر في ماله، ولسنا معنيين بمحاسبة الناس في أموالهم، من أين اكتسبوها وفي ما أنفقوها، لكن المسألة لا تتجاوز حدود رصد بعض التصرفات الغريبة التي ظهرت فجأة، ولم يكن يعهدها أثرياء المجتمع الذين لا يختلفون كثيراً عن كارلوس الحلو، فهم الأحرص على ضبط تصرفاتهم، وهم الأكثر حرصاً على عدم الظهور بمظهر المبذرين المترفين.
بقي أن نعرف أن الملياردير الحلو «اسماً لا وصفاً»، يشارك في مكافحة الفقر والأمية وسوء الرعاية الصحية في دول أميركا اللاتينية، ويشجع مشروعات رياضية للفقراء، صحيح أنه لم يعلن عن تخصيص مبالغ مالية كبيرة من ثروته للأعمال الخيرية إلا أنه يقول: «رجال الأعمال عليهم أن يفعلوا خيراً أكبر حين يوفرون الوظائف للفقراء، لا أن يكونوا مثل (بابا نويل) الذي يحقق الأمنيات»!
وبالتأكيد تفكير «سليم» جداً، من كارلوس سليم الحلو، وهذا بالضبط ما لم نره من المليونيرات «الجدد» أصحاب اليخوت والسيارات الفارهة، وقليلاً ما نراه في «المليارديرات» القدامى!