أبواب
حرب الأجنـّة
يحق للإنسان أن يندهش من هذا الكدّ البشري طوال عمر البشرية في التفنن في إنتاج الأساليب العدوانية. يحق للإنسان القارئ تاريخ البشرية وهو يحدق بالمواعظ والشرائع الدنيوية والسماوية التي ظلت تغلف الحركة الإنسانية عبر تاريخها، أن يندهش من هذا التفنن في إنجاز الأدوات الحربية القاتلة والمدمرة.
فمن يحاول أن يستقرئ الثقافات والإنتاجات الأدبية والفكرية التي تعقب أي حرب من الحروب التي قامت عبر التاريخ، سيكتشف مدى فداحة الأسئلة الوجودية الجارحة التي أنتجتها مثل هذه الحروب وكانت السبب الرئيس في إنتاجها، وبالتالي سيكتشف حجم المعوقات التي أنتجتها الممارسات العدوانية، التي كانت أحد أسباب التعمية الحقيقية على الروح الابتكارية للإنسان في جانبها المشرق والبهي.
فأنت إن استعرضت أدوات القتل التي اخترعها الإنسان عبر تاريخه ابتداءً من الرمح الخشبي مروراً بالنصال الحديدية والمنجنيقات التي كانت تدكّ أسوار المدن بالقار المصهور وببقية الأدوات والسبل المدمرة، والصواريخ العابرة للقارات ومنظومة القنابل النووية، فإنك سوف تقف على قناعة أكيدة بأن حجم العدوانية ومولداتها من اختراعات قاتلة ومدمرة هي أكبر بكثير من حجم نواياه السلمية القائمة على التصالح البشري العالمي.
والبشرية استطاعت وبعد الانتهاء من كل حرب أكلت الأخضر واليابس البشري، أن تعاود التفنن في ابتكارات لأسلحة جديدة قادرة على الردع إلى الدرجة التي يمكن فيها تدمير الكوكب برمته.
فبعد أن استكمل الإنسان قواه العدوانية بشكل كامل وعقد اتفاقات السلام عبر تاريخه العدواني الطويل، وبعد كل حرب أشعلها، عمد إلى إطلاق العلماء في المختبرات المطلسمة كي يحصلوا على أقوى أسلحة الدمار فتكاً.
وها نحن بعد حربين عالميتين وحروب خاصة بفقراء الكوكب تستمر لأكثر من قرن فائت استكمل كل شروطه العدوانية الكاملة، وبعد توقيع اتفاقات دولية تبدو للوهلة الأولى بأنها صارمة، نشهد تطورات سرية لمنظومة الحرب النووية القادرة على إعادة حادثة القيامة البشرية من جديد. وها نحن نرى التطور في استعمال الأسلحة يذهب نحو إنتاج الطائرات التي تحلق من دون طيار ويتم توجيهها بالريموت من شتى أرجاء الكوكب. تلك الطائرات التي يمكن أن تدمر أي شيء يراد له أن يدمر ويقتل، وهذا يعني ببساطة أن العقلية العدوانية الإنسانية باتت قادرة على إنتاج عدو معدني يحلق في السماء يصعب عليك حتى أن تؤلف عدوانية مضادة له. وهناك القنابل الفوسفورية التي تبعث بسمها الكيميائي في التربة والأشجار والأجنة لسنوات طويلة قادمة بعد انتهاء الحرب بسنوات.
وهناك الحرب الجرثومية الكيميائية التي لم تجرب بعد بشكل كامل والتي ستكون قادرة على أن تتغلغل في ذرات الهواء لتقتل كل من يتنشقها وتفعل فعلتها لا في الكائنات الحية فقط، بل في الطبيعة الأرضية من أشجار ومياه. إن قوى الشر البشرية استطاعت أن تثري خبراتها العدوانية عبر التاريخ البشري بالكثير من الابتكارات العدوانية، بينما ظلت قوى الخير مجرد فكاهة ومحطة استراحة للدمار الذي يظل ينتظر الأسباب كي يعاود ابتكاراته القاتلة من جديد. إننا على موعد مع حرب الأجنّة وقتلها وتشويهها قبل تخلقها. إننا على موعد مع الروح العدوانية التي تظل تتجدد عبر التاريخ حاملة مبرراتها التي تسوق الإنسان إلى قواه الشريرة سالبة منه تجلياته الثقافية الخيرة والخلاقة والحضارية.