(ماريا)
«خوسيه» شاب كأغلب شباب كولومبيا، رياضي القوام، محبّ للحياة، متفائل، يقيم في سكن مشترك لأبناء ضحايا الحرب الأهلية الكولومبية في ضاحية على تخوم العاصمة (بوغوتا) يلعب الكرة في نادٍ محلي رخيص لا مستقبل له..
كان لدى خوسيه سبب واحد للتعلق بمدينة بوغوتا المكتظة.. وهي أنه يحب (ماريا)!
لم تكن أحلام خوسيه وماريا خارج نطاق المألوف منذ أن التقيا ذات ليلة مطيرة في أحد المراقص الليلية المنتشرة في كولومبيا.. كانا يحلمان بالأمن وبأبناء عدة يحملون قسمات ماريا الملائكية وعزيمة خوسيه التي لا تلين.. في كولومبيا التي يعشقان..
بدأ القلق يتسلل إلى نفس خوسيه بعد أن أصدر قاضٍ محلي أمر البراءة لحارس المرمى الشهير (هيجيتا) رغم أنه اعترف بضلوعه في قضية قتل! تساءل خوسيه في نفسه: هل النظام القضائي في كولومبيا يتأثر باسم اللاعب الكبير.. إذا فسد النظام القضائي فعلى كولومبيا السلام..
خوسيه بدأ يخاف على ماريا..
بعد أسابيع عدة وفي أثناء احتفال الجموع بموسم المهرجانات الكرنفالية الذي انتقل الى كولومبيا من مهرجانات ساو باولو الشهيرة في الجارة الشرقية البرازيل قام أحد أفراد عصابات الفارك الشهيرة بتجارة الكوكايين باختطاف طفلة مشاركة في المسيرة الكرنفالية واعتدى عليها وقتلها.. ولم يقم القاضي المحلي بإصدار حكم الإعدام بالحقنة القاتلة على القاتل..
خوسيه يحب ماريا.. وخوسيه بدأ يخاف على ماريا جدياً هذه المرة..
انتشرت فجأة في انحاء العاصمة بوغوتا ظاهرة إلقاء أطفال العلاقات العابرة أمام بوابات الكنائس قبل قداس يوم الأحد.. وتسابقت العجائز لتبني هؤلاء الأطفال مجهولي النسب حتى وقف الأب (خورخي) أمام الجموع وأعلن أنه أصدر صك غفران لكل من ارتكب خطيئة..
خوسيه كان حزيناً.. لم تكن علاقته بماريا عابرة أبداً.. ثم قامت عصابة كوكايين باغتيال أحد ثوار الحرب الأهلية الشهيرين وهرب أعضاؤها إلى الإكوادور.. خوسيه يحب ماريا.. ما الذي فعلوه فيك يا كولومبيا؟
في الأسبوع الماضي وبينما كان خوسيه متوجهاً إلى عمله في إحدى مزارع البطاطس رأى مجموعة من إحدى الميليشيات التي تسمى (ميليشيات الموت) كان جميع أفرادها لا يتجاوزون الـ15 من العمر، ومدجّجين بالأسلحة البيضاء استوقفوا طفلاً في عمرهم أو أصغر قليلاً.. وعالجوه بأسلحتهم حتى لفظ أنفاسه.. خوسيه توقّع أن يقوم القاضي بقرص آذان هؤلاء الأشقياء.. خوسيه يحب ماريا.. ماريا تستقبل خوسيه الباكي وهي تدندن لحناً لاتينياً قديماً..
يا صبر أيوب؛ لا ثوب فنخلعه // إن ضاق عنا ولا دار فننتقلُ..
لكنه وطن.. أدنى مكارمه // يا صبر أيوب إنا فيه نكتملُ..
وإنه غرّة الأوطان أجمعها // فأين عن غرّة الأوطان نرتحلُ..
خوسيه.. يحب ماريا!